لبنان

أموال فخر الدين.. آخر المعارك الدونكيشوتية الليمونية

لا يتقاعس تلفزيون OTV، وشعاره الليمونة، عن تقديم الترفيه للمشاهدين. ترفيه بالمجان ولو عن غير قصد، حتى في معالجة أكثر المواضيع جدية وحساسية. آخر تلك الملاحم الترفيهية جاء في مقابلة مع الدكتور دال حتّي أكد فيها أنّ لبنان ليس مديوناً بل يعاني من سوء إدارة وسوء تحصيل لأمواله. كلام سليم يتماشى مع مطلب اللبنانيين باستعادة الأموال المنهوبة، ومحاكمة الفاسدين، وتنقية المؤسسات من السطوة السياسية والطائفية، وإرساء مبدأ الكفاءة والإنتاج فيها. وأكمل حتّي قائلاً إنّ على الدولة “استرجاع أموالنا الموجودة أينما كان في العالم”. كلام أكثر من سليم، يراد من خلاله الإشارة إلى المليارات المهرّبة إلى الخارج، بعيد انطلاق ثورة 17 تشرين الأول، قبلها وبعدها.

منظور حتّي
لكن كل هذا الكلام رماه حتّي أرضاً. يتعامل مع كل ما سبق من منظور مختلف. فتقدّم بأرقام مدروسة عن حساب باسم الأمير فخر الدين المعني الكبير في “مصرف مونتي دي بييتا” في توسكانا، بقيمة 111 مليون دولار عام 1616. ولتأكيد الوقائع أشار حتّي إلى أن حفيد فخر الدين، حيدر، طالب المصرف بالمبلغ عام 1716، وكانت قد تراكمت فوائده لتبلغ قيمته 655 مليون دولار في يومنا هذا. وبات الحساب يجمع، بعد أكثر 300 عام، 5 مليارات دولار. هذا جزء من المال اللبناني العام المنتشر حول العالم، ويضاف إليه مليارات أخرى (65 مليار دولار) أقرّت في قمم عربية مختلفة لم تصل للخزينة، وحان الوقت لتحصيلها. التعامل مع هذه المليارات المفقودة يستوجب جدية مطلقة.

جبل التقوى
مونتي دي بييتا، جبل التقوى أو الرحمة، ليس مصرفاً بالأساس، بل جمعية لا تبغى الربح. أسّسها رجال دين كاثوليكيين في القرن الخامس عشر، لقرض الفقراء والمحتاجين. كان الهدف الأساسي منها الأعمال الخيرية المنظمة، تجنيب المجتمع المسيحي آفة الربى ورهن الأملاك والتضامن مع المستضعفين. ففوائد الدائنين كانت تصل في إيطاليا حينها إلى 130 في المئة. واعترف البابا ليون العاشر رسمياً بهذه الجمعية، وما تفرّع عنها، عام 1515. كان أساس عمل الجمعية مبني على تبرّع الأغنياء بمبالغ مالية يعاد إقراضها لفقراء الحال، بفوائد محدودة جداَ أو دونها حتى. ومن مدينة بيروجيا انطلقت الفكرة وتعمّمت في مدن إيطالية أخرى، ثم في فرنسا وبلجيكا وغيرها. كان شكلاً من أشكال الإدارة والرقابة الكنسية على الربى والرهن والانحلال والجشع ومساعدة المحتاجين. اسمه “تقوى” أو “رحمة”، ليس مصرفاً ولا مؤسسة مالية تتراكم فوائدها، بل العكس.

أيقونة فخر الدين
هو المؤسس الأول لشبه ما يُعرف بلبنان الكبير. جليل في دهائه السياسي وعلاقاته وإدارته وتطويره الاجتماعي والاقتصادي. أيقونة، رمز الدولة الأولى، وعصبها الذي كتبه ولحّنه الأخوين رحباني وغنته فيروز ونصري شمس الدين. “أيقونات” تكرّم أخرى وتعيد تمجيدها من خلال “عطر الليل” والكلمات الأخيرة لفخر الدين قبل استسلامه (في مسرحية أيام فخر الدين) “أنا شو بيهمّ بقيت أو ما بقيت… هو (لبنان) بيبقى”. لكن هل كان فخر الدين مهرّباً للأموال أيضاً؟ هل هذا ما نفهمه من كلام حتّي؟ هل تُضرب “أسطورة” فخر الدين، أو يُشكك بها، بهذه البساطة؟ قد يكون هذا المطلوب بعد أنّ أتت المحطة العونية على ذكره.

معركة مستجدة
هذه المحطة، وغيرها من مؤسسات التيار الوطني الحر، لا تمسّ شخصاً أو ملفاً إلا وتسخّفه. يصبح مادة خاضعة للنفس الليموني وأهوائه السياسية وحساباتها، التي لا تسقط منها الاعتبارات الطائفية و”الجينية” أيضاً. تصبح مادة للهزل، كالعادة، فكيف إذا كان مادة هزلية بالأساس؟ وعلاقة حتّي بالتيار الوطني الحر متلبسة. ما نعرفه عنه أنه رجل أعمال و”مبادر” وناشط مدني ورئيس هيئة العلاقات العامة في المجلس الاغترابي اللبناني. سمّاه الأديب ميخائيل نعيمة، صديق والده وجاره، بـ”دال”، والدال هو الذي يدلّ الناس على المياه في الصحراء. لكن الأكيد أنّ المحطة تتبنى مطلبه باستعادة أموال فخر الدين من إيطاليا. فكما اللبنانيون منتشرون (وليس مهاجرين)، أموالهم منتشرة أيضاً، ضائعة. واسترداد هذه الأموال واجب وطني، معركة تستحق خوضها. تتلاءم والمعارك الدونكيشوتية الاعتيادية التي يهواها التيار الوطني الحرّ ورئيسه. استرداد أموال خيالية، من حساب مصرفي في مؤسسة غير مصرفية، مودعة منذ زمن الإمارة.
في هذه المعركة الجدية ما يكفي من أمل وهمي. تنسجم مع أجندة التيار الوطني الحرّ برئاسة جبران باسيل.

المصدر : نادر فوز – المدن

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button