مشكلة الغواصات الروسية أسوأ بكثير مما يتخيله الكثيرون

نُشر موقع “Naval News” في 15 تشرين الأول / أكتوبر 2025
الغواصة الروسية نوفوروسيسك، وهي من فئة “كيلو” المحسّنة (Project 636.3)، أُجبرت على العودة بصعوبة إلى بحر البلطيق بعد تعرضها لعطل ميكانيكي في البحر الأبيض المتوسط.
ورغم أن بعض التقارير بالغت في وصف الحادثة، إلا أن الواقعة تكشف التراجع المتسارع في وجود البحرية الروسية في المنطقة. فمنذ أن فقدت موسكو قاعدتها في طرطوس عام 2024 وواجهت قيوداً على العبور عبر مضيق البوسفور، انهار عملياً الوجود الروسي الدائم في المتوسط.
وتسلّط مشاكل الغواصة الضوء على أزمة الصيانة المتفاقمة وتآكل النفوذ البحري الروسي في هذه المنطقة الحيوية.
الغواصة “نوفوروسيسك” وقصة عودتها المهينة
أثارت قضية الغواصة الروسية نوفوروسيسك اهتمام الإعلام وحتى سخرية بعض المسؤولين الغربيين.
فقد علّق الأمين العام لحلف الناتو مارك روته بالقول إن “الغواصة الروسية المعطوبة تزحف عائدة إلى موطنها من الدورية.”
الغواصة – من طراز “كيلو المحسّن” – بدأت رحلة العودة من المتوسط إلى البلطيق منذ مطلع تشرين الأول، بعد أن تعرضت لعطل ميكانيكي في غرب المتوسط أواخر أيلول.
وجودها على السطح ليس أمراً غير معتاد بحد ذاته، إذ إن غواصات “كيلو” الروسية دأبت على عبور هذا الطريق على السطح منذ سنوات.
لكن بعض العناوين الإعلامية التي تحدثت عن “غواصة روسية تطفو قبالة فرنسا” كانت مبالغة دعائية.
ورغم أن الكثير مما كُتب عنها ينطوي على تضخيم وتكهنات، إلا أن الحادثة تكشف مشكلة أعمق بكثير تعاني منها غواصات الأسطول الروسي.
القوة الروسية الدائمة في المتوسط: من الصعود إلى الانهيار
أنشأت روسيا عام 2013 قوة بحرية دائمة في البحر الأبيض المتوسط، كان ميناء طرطوس في سوريا هو مركزها الأساسي.
تألفت القوة من غواصات وفرقاطات وسفن كبيرة، وغالباً ما كانت الغواصات تابعة لأسطول البحر الأسود.
ورغم أن اتفاقية مونترو تحد من عبور الغواصات بين البحر الأسود والمتوسط، فإن موسكو استغلت ثغرات تتعلق بالرحلات “لأغراض الصيانة” لتجاوز القيود.
كانت قاعدة طرطوس مجهزة لاستضافة الغواصات لفترات تصل إلى عام كامل، مع سفينة الإصلاح PM-82 التي كانت تقدم الدعم الفني.
بحلول عام 2022، كان هناك غواصتان أو أكثر بشكل منتظم في طرطوس، منها اثنتان عند اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا.
لكن الأمور انقلبت رأساً على عقب.
فبعد الغزو الشامل لأوكرانيا، أغلقت تركيا مضيق البوسفور أمام السفن الحربية الروسية، كما منعت قبرص دخول السفن الروسية لموانئها، ما حرم موسكو من خدمات التزود بالوقود والصيانة.
الوجود الروسي في المتوسط يتلاشى
في آذار 2024، أجبرت هجمات الطائرات البحرية الأوكرانية بدون طيار (USV) على تحويل خطوط الإمداد من البحر الأسود إلى طريق البلطيق الأطول بكثير.
ثم جاء الضربة القاضية في كانون الأول 2024 حين سقط نظام الأسد في سوريا، ما أدى إلى طرد البحرية الروسية من طرطوس.
كانت الغواصة نوفوروسيسك من أول السفن المغادرة، حيث عبرت مضيق جبل طارق في 2 كانون الثاني 2025.
منذ ذلك الحين، واجهت روسيا صعوبة متزايدة في الحفاظ على وجود غواصاتها في المتوسط، إذ تضطر الآن للإبحار من البلطيق لمسافة تزيد عن 4000 كلم في كل اتجاه، ما يستنزف الطواقم ويضغط على برامج الصيانة.
استمرار الدوريات ولكن بقدرات متدهورة
عادت نوفوروسيسك إلى المتوسط في حزيران 2025 برفقة سفينة سحب دعم، وزارت موانئ في شمال إفريقيا حيث أجرت أعمال صيانة متخصصة.
لكن غياب شبكة القواعد والدعم اللوجستي المحلي جعل مهمتها بالغة الصعوبة.
في الوقت نفسه، تعاني غواصات الديزل الروسية (كيلو) من تراكم أعمال الصيانة، سواء في الأسطول الأسود أو أسطول البلطيق.
إحدى الغواصات، روستوف على الدون، دُمِّرت بعد تعرضها لهجمات صاروخية متكررة، مما يجعل نوفوروسيسك بلا بديل جاهز حالياً.
ورغم أن روسيا لا تزال قادرة على نشر غواصات نووية مثل فئة ياسين (سيفيرودفينسك) القادرة على عبور المتوسط بشكل خفي، فإن وجودها غير دائم وهي الأخرى تعمل بأقصى طاقتها.
هل تعود روسيا إلى المتوسط؟
يبدو أن الانتشار الروسي الحالي في المتوسط ذو طابع رمزي أكثر من كونه قوة بحرية فعالة.
لكن الكرملين يسعى إلى إعادة تأسيس قاعدة جديدة تسمح بتمركز دائم يعيد الضغط على الجناح الجنوبي لحلف الناتو.
ويُرجَّح أن تكون ليبيا – وبالتحديد ميناء طبرق – المرشحة الأبرز لذلك.
إنشاء مثل هذه القاعدة سيحتاج وقتاً وأعمال بناء كبيرة، وقد يكون أول مؤشر على ذلك زيارة سفن شحن حكومية روسية للميناء أو تحرك سفن الإصلاح من البلطيق باتجاه الجنوب.
أما الآن، فيبدو أن الغواصة نوفوروسيسك لن تُستبدل قريباً، ولا توجد أي غواصة “كيلو” أخرى في طريقها إلى المتوسط.
خلاصة
رغم أن القوة البحرية الروسية لا تزال تمتلك غواصات نووية متقدمة، فإن غواصات “كيلو” التقليدية تكشف حدود القدرات الروسية المتناقصة.
لقد فقدت موسكو حضورها الدائم في المتوسط، وما قصة نوفوروسيسك سوى رمز لفجوة متنامية في القدرات والإمكانات لدى البحرية الروسية.