دفاع وأمن

“أدميرال كوزنتسوف”: نهاية الحلم الروسي لحاملات الطائرات؟

بقلم تادي عواد

بين رماد الاتحاد السوفييتي وتطلعات القوة العالمية، كانت حاملة الطائرات الروسية الوحيدة “أدميرال كوزنتسوف” تمثّل طموح موسكو في الحفاظ على ذراع بحرية بعيدة المدى، تضاهي مثيلاتها الغربية. غير أن سلسلة من الإخفاقات التقنية، والحوادث الكارثية، والفساد الإداري، حوّلت هذا الرمز العسكري إلى عبء استراتيجي، لتنتهي قصة الحاملة الأقرب إلى “الأسطورة المتعثرة” بقرار مرتقب بتفكيكها وتحويلها إلى خردة.

النشأة: من إرث السوفييت إلى عبء الروس

دخلت حاملة الطائرات “كوزنتسوف” الخدمة الفعلية عام 1991، كوريثة للطموح السوفييتي بمشروع حملات بحرية متكاملة. تميزت بقدرة على حمل مقاتلات Su-33 وMiG-29K، وتوفرت على أنظمة دفاع جوي وصاروخي متقدمة لزمنها.

لكن مشاكل التصميم، وخاصة الاعتماد على الدفع بالبخار بدل الطاقة النووية، وسوء الصيانة المتراكم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، جعلتها تعاني من أعطال مزمنة. بين 1991 و2017، أمضت الحاملة فترات طويلة في المرافئ أكثر مما قضته في البحر.

حلم الإصلاح الذي تحول إلى كارثة

في عام 2017، قررت القيادة العسكرية الروسية بدء عملية تحديث شاملة للحاملة، لإطالة عمرها التشغيلي 25 عامًا إضافية. كان من المقرر تسليمها للبحرية بحلول 2020، لكن ما حدث كان سلسلة من الإخفاقات:

الكوارث الفنية:

أكتوبر 2018: غرق الرصيف العائم PD-50 في حوض “روس زفيزدوشكا”، وسقوط رافعة تسببت بثقب كبير في سطح الطيران.

ديسمبر 2019: حريق كبير في قسم المحركات أودى بحياة 2 من الفنيين وجرح أكثر من 10.

ديسمبر 2022: اندلاع حريق جديد خلال أعمال اللحام، دون وقوع ضحايا، لكنه عرقل الجدول الزمني مرة أخرى.

الفساد المالي:

في عام 2021، أُعلن عن اختفاء أكثر من 40 مليار روبل من ميزانية الصيانة، واعتُقل عدة مسؤولين من إدارة حوض السفن بتهم فساد واختلاس.

التحقيقات أظهرت تضخيماً في فواتير المعدات، وتوريد مواد غير مطابقة للمواصفات.

التأخير:

بين 2017 و2025، مرت أكثر من 8 سنوات دون أن تبحر الحاملة، ما جعلها عمليًا خارج الخدمة البحرية.

الانهيار المعنوي والرمزي

في 2024، أُرسلت وحدات من طاقم الحاملة للمشاركة في المعارك البرية في أوكرانيا، في خطوة عدّها محللون مؤشراً واضحاً على تراجع ثقة القيادة الروسية في جدوى إعادة تشغيل الحاملة.

أما في 2025، ومع تصاعد كلفة الصيانة إلى أكثر من 1.5 مليار دولار دون نتائج ملموسة، صدرت تسريبات من صحف روسية كبرى (مثل إزفيستيا) بأن وزارة الدفاع تميل إلى إيقاف البرنامج كليًا وتفكيك الحاملة.

ماذا بعد “كوزنتسوف”؟

خيارات روسيا المستقبلية:

الانسحاب من سباق حاملات الطائرات: بالتركيز على أسلحة بحرية أرخص وأكثر مرونة كالغواصات والصواريخ فوق الصوتية والطائرات المسيرة.

بناء حاملة جديدة: طُرحت مشاريع لحاملة جديدة تعمل بالطاقة النووية (مشروع “لومونوسوف”)، لكن لم تُترجم بعد إلى عقود أو بناء فعلي.

تحالفات بحرية بديلة: تعزيز التمركز البحري في قواعد بسوريا (طرطوس) وربما في أفريقيا لتعويض غياب الحاملة.

الخاتمة

تشير قصة “أدميرال كوزنتسوف” إلى تحوّل عميق في استراتيجية روسيا البحرية، من تقليد القوة العظمى إلى مقاربة أكثر واقعية تقوم على الفاعلية والمرونة بدل الرمزية والتباهي. قد تكون كوزنتسوف قد خذلت الكرملين، لكنها علّمت الروس أن وراثة الاتحاد السوفييتي ليست كافية، بل تحتاج لرؤية جديدة تتماشى مع زمن الطائرات دون طيار والحروب غير المتماثلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى