هل تستطيع إسرائيل تدمير البرنامج النووي الإيراني دون مساعدة أمريكية مباشرة؟

بقلم: تادي عواد
في ظل استمرار تصاعد التوترات الإقليمية، تزداد التساؤلات حول ما إذا كانت إسرائيل تمتلك فعليًا القدرة العسكرية واللوجستية لتوجيه ضربة ناجحة إلى المنشآت النووية الإيرانية بشكل منفرد وبدون مساعدة مباشرة من الولايات المتحدة. يعتمد هذا السؤال المحوري على عدة عوامل مركبة تشمل القدرات الجوية الإسرائيلية، وأنواع الذخائر المتوفرة، والمسافات المطلوبة، ومدى تحصين الأهداف الإيرانية، إضافة إلى التعقيد الجيوسياسي المصاحب لمثل هذه العملية.
المنشآت النووية الإيرانية: عمق التحصين وتحديات الاستهداف
يعتمد البرنامج النووي الإيراني على عدة مواقع منتشرة جغرافيًا، تختلف في أهميتها وتحصينها، أبرزها:
نطنز: منشأة لتخصيب اليورانيوم، تضم آلاف أجهزة الطرد المركزي، منها جزء مدفون تحت الأرض بعمق متوسط.
فوردو: المنشأة الأشد تحصينًا، تقع تحت جبل بعمق يتراوح بين 70 إلى 90 مترًا من الصخور والخرسانة.
أراك: مفاعل يعمل بالماء الثقيل، يُستخدم لأبحاث قد تشمل إنتاج البلوتونيوم.
أصفهان: مركز لمعالجة اليورانيوم وتحويله.
مواقع إضافية سرية يُشتبه بأنها مخصصة لتخزين الوقود أو إجراء أبحاث متقدمة.
سلاح الجو الإسرائيلي: قوة ضاربة بقدرات محددة
يعتمد سلاح الجو الإسرائيلي على منصات جوية متعددة لتنفيذ ضربات استراتيجية، أبرزها:
طائرة F-15I “Ra’am”: الطائرة الأساسية للهجمات الثقيلة، قادرة على حمل قنابل خارقة مثل GBU-28 وSPICE-2000.
طائرة F-35I “Adir”: مقاتلة شبحية متعددة المهام، تُستخدم للرصد المبكر، والتشويش، واستهداف مواقع ثانوية بدقة عالية.
طائرة F-16I “Sufa”: تُستخدم في ضربات الدعم أو الاستهداف الثانوي.
مع ذلك، تواجه إسرائيل قيودًا في مجال التزود بالوقود الجوي، حيث تمتلك عددًا محدودًا من طائرات Boeing 707 القديمة، في حين أن تسليم طائرات KC-46 الأمريكية لم يكتمل أو لم تدخل الخدمة الفعلية بعد.
الذخائر الخارقة: ما المتوفر وما المفقود؟
تملك إسرائيل ترسانة متنوعة من الذخائر الخارقة للتحصينات، من بينها:
قنبلة GBU-28: قنبلة أمريكية خارقة بوزن 2.2 طن، قادرة على اختراق حتى 6 أمتار من الخرسانة، فعالة ضد نطنز، لكنها غير كافية لاختراق فوردو.
قنبلة SPICE-2000: ذخيرة ذكية إسرائيلية تعتمد على قنبلة Mk-84 أو BLU-109، فعالة ضد تحصينات متوسطة العمق.
قنبلة GBU-39/B SDB: قنابل صغيرة القطر دقيقة التوجيه، تستخدم مع F-35I، لكنها محدودة القدرة على اختراق التحصينات.
وما يُميز التحدي الإسرائيلي هو غياب القنبلة الأمريكية GBU-57 MOP (بوزن 13 طن)، الوحيدة القادرة نظريًا على تدمير فوردو، والتي لا تُستخدم إلا عبر قاذفة B-2 الأميركية.
الدفاعات الإيرانية: كثيفة ولكنها قابلة للاختراق
نشرت إيران أنظمة دفاع جوي متقدمة، مثل:
منظومة S-300PMU-2 الروسية حول فوردو وطهران.
منظومات Bavar-373 وMersad و3rd Khordad محلية الصنع.
رغم ذلك، تبقى الشبكة الدفاعية الإيرانية محدودة في قدراتها الشبكية والتنسيقية، ما يتيح احتمال اختراقها عبر الهجوم المفاجئ والتشويش الإلكتروني، خاصة عبر طائرات F-35I.
السيناريوهات المتاحة: من ضربة جراحية إلى مواجهة شاملة
بناءً على القدرات والقيود المذكورة، يمكن تصور 3 سيناريوهات رئيسية للهجوم الإسرائيلي:
1. ضربة محدودة لتعطيل المنشآت
تستهدف نطنز وأراك وأصفهان، باستخدام قنابل GBU-28 وSPICE-2000، وتنفذ بواسطة طائرات F-15I وF-35I. هدفها تأخير المشروع الإيراني لعدة سنوات دون التسبب في حرب شاملة.
2. هجوم شامل متعدد الموجات
يشمل استهدافًا متدرجًا لكل المواقع النووية والدفاعات الجوية ومراكز القيادة، وربما محاولة جزئية لضرب فوردو. يتطلب هذا السيناريو مجهودًا عسكريًا ضخمًا وتخطيطًا على عدة أيام، ما يجعله عالي الكلفة سياسيًا وعسكريًا.
3. ضربة رمزية تحذيرية
ضربة محدودة جدًا على هدف غير حيوي، تنفذها طائرات شبحية، بهدف إرسال رسالة ردع دون الدخول في مواجهة مباشرة.
استخبارات متفوقة وعناصر تخريب مرافقة
أثبتت إسرائيل قدرتها الاستخباراتية العالية ضد إيران، سواء عبر اختراق المنشآت، أو سرقة الوثائق النووية، أو تنفيذ عمليات اغتيال وتفجير دقيقة. ويُتوقع أن يُرافق أي هجوم جوي عمليات:
تخريب داخلي.
تشويش إلكتروني واسع.
هجمات سيبرانية لتعطيل الدفاعات والقيادة.
خلاصة التقييم العسكري
تشير القراءة التقنية للمشهد إلى أن إسرائيل تمتلك القدرة العسكرية على تنفيذ ضربة قوية ضد البرنامج النووي الإيراني تعطل أجزاءً كبيرة منه، وتؤخره لعدة سنوات. فهي قادرة على تدمير منشآت نطنز وأراك وأصفهان ومواقع دعم أخرى، باستخدام منصات F-15I وF-35I وأنظمة الذخائر الدقيقة المتوفرة لديها.
لكن في المقابل، تبقى منشأة فوردو، بعمقها الشديد وتحصينها الكبير، خارج القدرة التدميرية الكاملة للسلاح الجوي الإسرائيلي بترسانته الحالية. كما أن محدودية التزود بالوقود جوًا، والاعتماد على التخفي الكامل، تمثل تحديات عملياتية جدية في حال غياب الدعم الأمريكي اللوجستي والاستخباراتي.
وبذلك، فإن أي عملية إسرائيلية منفردة لن تدمّر البرنامج الإيراني بالكامل، لكنها قد تُضعفه بشكل كبير وتمنح إسرائيل والمجتمع الدولي وقتًا إضافيًا للرد أو التفاوض. لكنها في الوقت نفسه، قد تدفع إيران
نحو التصعيد أو الرد عبر وكلائها، ما يجعل القرار السياسي في غاية الخطورة والتعقيد.