واشنطن بوست : الظروف نفسها التي أدت إلى ظهور تنظيم “داعش” باتت موجودة الآن
قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، إن سياسات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في سوريا تجعل القوات الأمريكية هناك مكشوفة، وذلك عقب التفجير الانتحاري الذي وقع في مدينة منبج السورية، أمس الأربعاء، وأدى إلى مقتل خمسة جنود أمريكيين وإصابة آخرِين.
وتابع الكاتب ماكس بوت، في مقال له بالصحيفة، أنه “في 19 ديسمبر الماضي، أعلن ترامب انسحاب القوات الأمريكية، البالغ عددها قرابة 2000 جندي، من سوريا، معلناً هزيمة تنظيم داعش، في وقت تحدثت فيه تقارير استخباراتية عن أن التنظيم وإن كان فقد سيطرته بأغلب المناطق، فإنه ما زال لديه أكثر من 30 ألف مقاتل منتشرين في العراق وسوريا، وهو ما يجعله أحد أكبر التنظيمات الإرهابية وأكثرها خطورة بالكوكب”.
وتحت وقع الانتقادات التي تقدَّم بها حزبه الجمهوري، تراجع ترامب قليلاً عن قراره كما يقول الكاتب، حيث أعلن أن القوات الأمريكية ستغادر بوتيرة أبطأ، مع مواصلة محاربة “داعش”، والقيام بكل ما هو حكيم وضروري، فبدلاً من أن يستغرق الانسحاب شهراً واحداً، فإنه سيستغرق أربعة أشهر.
ويرى بوت أنه “من المستحيل أن نقول لماذا قرر تنظيم داعش شن هجومه على القوات الأمريكية الآن، فهو يريد إيصال رسالة بأنه تستطيع فعل ذلك، فقرار الانسحاب الأمريكي يمنح الإرهابيين حافزاً على شن الهجوم، وتسعى كل الأطراف الإقليمية لملء الفراغ الذي سيخلّفه الانسحاب الأمريكي من شرقي سوريا، وفي الوقت نفسه فإن (داعش) يسعى لتأكيد أنه لم يُهزَم”.
مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، كان لديه تخوف من هجمات قد يشنها الأتراك على الأكراد (قوات سوريا الديمقراطية) حلفاء أمريكا، في حالة الانسحاب الأمريكي من شرقي سوريا، ودعا إلى وجوب أن تقدم تركيا ضمانات بعدم مهاجمتهم، ولكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفض تقديم مثل هذه الضمانات، ورغم ذلك فإن الانسحاب الأمريكي يتواصل.
تهديد ترامب لتركيا بأنه سيدمر اقتصادها إذا ما هاجمت الأكراد، تهديد فارغ كما يقول الكاتب، وهو أسوأ من أن يكون تهديداً عديم الفائدة، فهو يقوض كل مصداقية بقيت للولايات المتحدة، فأنت تهدد تركيا بالتدمير، وهي الحليفة والعضوة في حلف شمال الأطلسي، وتُعَد من أكبر الموردين للسلع، وتحتل مرتبة متقدمة على مستوى العالم.
ويتساءل الكاتب: “كيف يمكن أن تنشئ الولايات المتحدة منطقة آمنة دون أي قوات على الأرض لتنفيذ ذلك؟ وكيف تستخدم قاعدة مجاورة لمنع تنظيم داعش من إعادة تشكيل نفسه؟”، مشيراً إلى أنه “الرئيس باراك أوباما جرب تلك الاستراتيجية ذاتها بعد أن سحب القوات الأمريكية من العراق عام 2011”.
ويتابع: “كان لدى القوات الأمريكية الكثير من القواعد في الدول المجاورة مثل تركيا والكويت، لكنها لم تستطع إبطاء صعود تنظيم الدولة، فقط إرسال قوات أمريكية إلى العراق في عام 2014 هو وحده الذي كان كفيلاً بتحرير الأراضي من قبضة داعش”.
ويرى الكاتب أن الظروف نفسها التي أدت إلى ظهور تنظيم “داعش” باتت موجودة الآن، فمع وجود فراغ في السلطة على الجانب السوري، وتزايُد أعداد السكان السُّنة الساخطين في الجانب العراقي، فإن النظرة إلى مستقبل مدينة مثل الموصل، سبق أن سيطر تنظيم الدولة عليها عام 2014 وتمت استعادتها عام 2017، تبدو قاتمة.
ويضيف: إن “المليشيات الشيعية التي تسيطر على الثلث السُّني في العراق، أغلبها تابعة لمليشيات مسلحة وتقوم بممارسات تشبه ممارسات عصابات المافيا؛ وهو الأمر الذي دفع العوائل السُّنية الفارَّة إلى رفض العودة لديارها؛ خشية عمليات الانتقام”.
ويختم قائلاً: “لقد كان شرق سوريا، بحسب ماكس بوت، آمناً ومستقراً بفضل الوجود الأمريكي وقوات سوريا الديمقراطية، فلقد حققت الولايات المتحدة عوائد استراتيجية من الاستثمار الصغير للقوات، لكن يبدو الآن أن ترامب مصمماً على خسارة تلك المكاسب التي تحقق بصعوبة من خلال عملية الانسحاب”.