إنه عصر الطائرات بدون طيار.. كيف يُغيِّر هذا السلاح لعبة الحرب في العالم؟
دخل العالم حقبة حروب الطائرات بدون طيار بقوة خلال العقد الأخير، وفرض هذا السلاح الجديد نفسه بقوة في الآونة الأخيرة كسلاح فعال متعدد المهام في المعارك والحروب، وسعت الدول والجماعات المسلحة لامتلاكها وتطويرها وتصنيعها، لأهميتها في توجيه ضربات موجعة للعدو بتكلفة منخفضة.
فخلال السنوات الخمس الماضية، لعبت الطائرات بدون طيار المسلحة دوراً مهيمناً وربما حاسماً في أربع حروب ومعارك عسكرية بين الدول؛ في ليبيا وناغورنو قره باغ في أذربيجان، وسوريا وأوكرانيا. ومع ذلك، ما تزال المناقشات حول الطائرات بدون طيار تركز على استخدامها ضد “الجهات الفاعلة غير الحكومية”، أو التكهنات حول دورها المحتمل في الحروب بين الولايات المتحدة والمنافسين القريبين، مثل الصين.
كيف تساهم الطائرات بدون طيار بتحقيق تشكيل الجغرافيا السياسية؟
وتقول مجلة Foreign Affairs الأمريكية إن هذه المناقشات دفعت العديد من الباحثين إلى استنتاج أن الطائرات بدون طيار “معقدة وضعيفة” من حيث محدودية الاستخدام، أو ملاءمتها للحروب بين الدول. ويجادل بعض المراقبين بأن الطائرات بدون طيار قد تعزز الاستقرار الدولي: فربما تقل احتمالية تصعيد الدول للنزاع عند حدوث حالات إسقاط طائرة بدون طيار، على عكس ما يحدث عند إسقاط طائرة بطيار بشري.
لكن الأدلة المتزايدة تشير إلى اتجاه أكثر إثارة للقلق، إذ توفر الطائرات بدون طيار الرخيصة والأكثر ديمومة، جنباً إلى جنب مع المركبات المدرعة والمدفعية، مزايا حقيقية للجيوش التي تستخدمها. وتظهر النزاعات الأربعة الأخيرة التي ظهرت فيها الطائرات بدون طيار أنه حتى الطائرات بدون طيار المتواضعة يمكن أن تساعد في تحقيق انتصارات عسكرية وإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية.
وبينما أصبحت الطائرات بدون طيار جزءاً من ترسانات المزيد من البلدان -حيث ارتفعت البلدان التي تستخدم الطائرات بدون طيار من 8 في عام 2015 إلى 20 دولة اليوم- تستعد الجهات الفاعلة الجديدة لاغتنام الفرصة التي توفرها تلك الطائرات للاستيلاء على الأراضي أو استعادة أراضي، أو إشعال نزاعات كانت مجمدة سابقاً. وتحتاج الحكومات والمحللون إلى إعادة التفكير في الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الأسلحة في زيادة مخاطر العنف بين الدول، كما تقول المجلة الأمريكية.
إنه عصر الطائرات المسيرة.. هل تصبح الأسلحة القديمة قابلة للزوال؟
يعتقد العلماء والمراقبون منذ فترة طويلة أن الأسلحة الهجومية تزعزع الاستقرار، لأنها تقلل من تكاليف الغزو بينما تثير المخاوف الأمنية بين أهدافها المحتملة. وتأخذ الطائرات المسيرة بدون طيار هذه الفكرة إلى أبعد من ذلك. إذ تعتبر الطائرات بدون طيار أقل تكلفة بكثير من الطائرات بالطيار البشري، ويمكن للجيوش إرسالها في مهام محفوفة بالمخاطر دون خوف من فقدان الأفراد.
وعلاوةً على ذلك، ونظراً لأن الطائرات بدون طيار رخيصة الثمن، يمكن للدول الحصول عليها بأعداد كبيرة بما يكفي لاجتياح دفاعات الخصم بسرعة. وقد استخدمت الجيوش بالفعل عشرات الطائرات بدون طيار في الحروب الأخيرة، وفي النزاعات المستقبلية من المرجح أن تنشر الآلاف -إن لم يكن عشرات الآلاف- لتدمير أو إضعاف القوات المعارضة قبل أن تتمكن من الرد.
وألقى المراقبون نظرة خاطفة على هذا التكتيك في معركة قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا، حيث استخدمت أذربيجان مؤخراً طائرات An-2 ذات السطحين التي تعود لحقبة الأربعينيات من القرن العشرين، والتي جرى تجهيزها بشكل مؤقت للعمل عن بُعد. وأغرت طائرات An-2 مشغِّلي الرادار الأرمن لتشغيل أنظمتهم، وكشفوا عن مواقعهم ليتمكن الطيارون الأذربيجانيون من تدميرها من مسافة بعيدة بطائرات هاروب الإسرائيلية الصنع. وبينما خسرت أذربيجان في النهاية 11 طائرة من طراز An-2، لكن تلك الاستراتيجية ساعدت في إحداث ثغرات في الدفاعات الجوية لأرمينيا.
وتشير الأدلة المبكرة من النزاعات الأخيرة أيضاً إلى أن الطائرات المسلحة بدون طيار الأساسية قد تكون في الواقع أكثر ديمومة مما كان يُفترض في البداية. إذ أثبتت أنظمة الدفاع الجوي الروسية المتطورة، مثل إس-300 وبانتسير قصيرة المدى، أنها ضعيفة بشكل مفاجئ في ليبيا وناغورنو قره باغ وسوريا. في كل حالة، تمكنت الطائرات بدون طيار تركية الصنع، من الإفلات من الكشف الراداري ومن استغلال فجوات التغطية في الأنظمة القديمة المنشأة لغرض الاستخدام مع الطائرات العادية الأكبر في الحجم. ودمرت الطائرات بدون طيار العديد من منظومات بانتسير الروسية في ليبيا وسوريا، وأبادت أنظمة الدفاع الجوي القديمة في أرمينيا.
وبالنسبة للدول التي تسعى إلى كسر الجمود الجيوسياسي الذي طال أمده، فإن ظهور الطائرات بدون طيار المسلحة والرخيصة نسبياً، إلى جانب ديمومتها، يوفر فرصة مغرية. ويمكن لمثل هذه الطائرات أن تساعد الدول في الاستيلاء على الأراضي بسرعة، والتغلب بسرعة على خصومها، والتهديد بعقوبات أكبر في المستقبل.
الطائرات بدون طيار تُغيِّر قواعد لعبة الحرب بالعالم بالكامل
وقبل 9 أعوام لم يكن أحد يملك الطائرات بدون الطائرات إلا 3 دول فقط، لكن اليوم، أصبحت العديد من الدول تمتلكها في المنطقة، وأصبحت الطائرات بدون طيار أكثر جاذبية من غيرها، لأنها نجحت في تغيير الوضع في ساحات القتال الفعلية. واستخدمت تركيا الطائرات بدون طيار لإحداث تأثير خاص.
فعندما قتلت غارة جوية سورية 36 جندياً تركياً كانوا يعملون بالقرب من محافظة إدلب شمال سوريا في فبراير/شباط 2020، ردت أنقرة باستخدام طائرات بدون طيار طراز بيرقدار TB2 لتدمير عشرات الدبابات والدفاعات الجوية والمدرعات، مما أسفر عن مقتل المئات -وربما الآلاف- من الجنود التابعين للنظام السوري. ونيابةً عن دمشق التي تعرضت للعقاب على يد تركيا، طلبت روسيا وقف إطلاق النار. كما كانت طائرات TB2 التركية حاسمة أيضاً في كسر الجمود العسكري في ليبيا خلال عملية عاصفة السلام: إذ ساهم الثقل النوعي المشترك للطائرات بدون طيار TB2 والقوات البرية في طرد قوات خليفة حفتر من أطراف طرابلس ومعقلهم في ترهونة.
وباختصار، تقوم الطائرات بدون طيار بمراجعة دليل الحرب الحديث في الوقت الفعلي. حتى الطائرات بدون طيار البسيطة نسبياً اليوم تعد مميتة ومتينة بما يكفي لقلب التوازن في النزاعات الإقليمية. ومع قدرات محدودة بشكل مدهش، يمكن للطائرات بدون طيار مساعدة الدول على استغلال الفرص الجديدة في ساحة المعركة.
الهجوم يأخذ زمام المبادرة بفضل الطائرات المسيرة
ويمكن القول إن الطائرات بدون طيار المسلحة ليست منقطعة النظير. في الواقع، هي أجهزة محدودة، وحتى بدائية، ومعرضة للتشويش الإلكتروني، ومربوطة بقواعد جوية، وغالباً ما تسقط على الأرض بسبب سوء الأحوال الجوية. ونظراً لأنها قادرة على حمل حمولات متواضعة فقط، فإن الطائرات بدون طيار مثل TB2 التركية على سبيل المثال لها مدى قصير يبلغ 149 كيلومتراً فقط من محطات التحكم الأرضية أو محطات إعادة الإرسال.
وبحسب “فورين آفيرز”، يجب أن يقاوم المحللون إغراء المبالغة في تأثيرات الطائرات المسلحة بدون طيار: فهذه الطائرات لا تسبب الصراع بقدر ما تُسهّله. ولكن لا ينبغي أيضاً أن يتغاضى المراقبون عن قدرة الطائرات بدون طيار على “زعزعة الاستقرار”. إذ ساعدت الدول على كسر الجمود الذي طال أمده. ومن المرجح أن تكون الطائرات المسلحة بدون طيار، المدفوعة بالابتكارات السريعة في القطاع التجاري، أكثر فاعلية.
وتعمل تركيا على سبيل المثال، بالفعل على توسيع نطاق طائرات بيرقدار التي استخدمت فوق ناغورنو قره باغ قبل شهر فقط. ومع انخفاض تكاليف القطعة الواحدة، ستتمكن الطائرات بدون طيار ذات الإنتاج الضخم قريباً من اجتياح دفاعات العدو بسرعة. وبمرور الوقت، قد تتحد الطائرات بدون طيار ذات القدرات الفردية لتشكيل فرق قتالية واستغلال نقاط ضعف العدو في ساحة المعركة. ومع وجود مثل هذه التكنولوجيا بأسعار معقولة في متناول اليد، قد يصعب على القادة مقاومة إغراء إعادة بدء الحروب المجمدة أو حتى التحريض على حروب جديدة، خاصة إذا كانوا يعتقدون أن مزاياها مؤقتة.
وستواجه البلدان التي تستثمر في الطائرات المسلحة بدون طيار إغراءً قوياً لإعادة استئناف النزاعات الإقليمية المشتعلة، أو السعي للحصول على مزايا جديدة في النزاعات التي وصلت إلى طريق مسدود. وبشكل مثير، من بين الدول العشر المقبلة المتوقع حصولها على طائرات بدون طيار مسلحة، هناك تسع دول عالقة في نزاعات إقليمية طويلة الأمد أو تخوض حروباً داخلية. وقد يواجه النظام الدولي قريباً جولة جديدة من النزاعات مدفوعة بانتشار الطائرات المسلحة بدون طيار.