سر التلكؤ في ملاحقة الأموال المنهوبة والمخبأة في سويسرا
انتهت منذ أيام المهلة الممنوحة من قبل لجنة الرقابة على المصارف لكل المصارف اللبنانية، لإيداعها مجموع تحويلات زبائنها إلى مصارف سويسرا اعتبارا من 17/10/2019 (إنطلاقة الإنتفاضة) وحتى تاريخ 14/1/2020. وبات السؤال الطبيعي والمنطقي: هل ستُطلع اللجنةُ الرأيَ العام على النتائج؟ وما هي الخطوة التالية التي ستتخذها؟ لا سيما وأن دور ومهمة اللجنة، الرقابة والتدقيق بصحة وسلامة القطاع المصرفي، والوقاية من المخاطر المصرفية، والتأكد من التزام المصارف بتنفيذ التعاميم الصادرة عن البنك المركزي. وهو حكماً يختلف عن دور هيئة التحقيق الخاصة، المؤلفة بموجب قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب رقم 44/2015.
معرفة حجم الأموال
وكان طلب اللجنة من المصارف قد تزامن مع إحالة وزيرالعدل السابق، ألبرت سرحان، كتاب النائب العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، على السلطات السويسرية القضائية المختصة، بواسطة وزارة الخارجية، للمساعدة القضائية في شأن المعلومات عن تحويل مبالغ مالية من لبنان إلى حسابات مصرفية في سويسرا، استناداً إلى مبدأ المعاملة بالمثل وتبادل المعلومات في مجال مكافحة الإرهاب، ولا سيما أن عمليات التحويل المشكوك بأمرها، قد تشكل جرائم جزائية منصوص ومعاقب عليها في قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب رقم 44/24-11-2015 في المواد 1 و 2 و 3 منه.
وتضمن الطلب الذي رُفع بتاريخ 1\1\2020 الإفادة عن حجم المال الذي تم تحويله مع بيان مصدره، وما إذا كان مشبوهاً أو لا، على أن يتم الاستماع إلى الشهود عند الاقتضاء توضيحاً وتصويباً، مع التشديد على تكليف المصارف المعنية التي تم تحويل الأموال إليها، تقديم المستندات والوثائق والمعلومات المتعلقة بإجمالي هذه الحسابات وأرقامها.
خصوصية البيانات والقضاء
كل هذا المسار الذي انطلق بفعل انتفاضة 17 تشرين والمطالبة بإستعادة الأموال المنهوبة، تعزز بعدما صادق البرلمان السويسري في العاشرمن شهر كانون الأول 2019 على التبادل التلقائي للبيانات المصرفية مع 18 دولة إضافية بحلول العام 2021، ومن ضمنها لبنان، ما سيُمكن الدولة اللبنانية من الاطلاع على بيانات وأرصدة جميع اللبنانيين في المصارف السويسرية.
وعلى الرغم من فتح الأفق والأمل بإمكانية استرداد الأموال المنهوبة، وخصوصاً بعد معلومات خبراء الاقتصاد عن أرقام ومبالغ خيالية تعود لسياسيين، تم تحويلها إلى سويسرا. إلا أن استفادة لبنان من اتفاقية تبادل المعلومات المصرفية مع سويسرا، والتي سيبدأ العمل بها في 2021، ستبقى معلقة، بسبب تخلفه عن تطبيق معايير المنتدى العالمي لخصوصية البيانات، وفق ما جاء في الإعلان الصادرعن البرلمان السويسري.
والمعايير المطلوبة وفق المتابعين لهذا الملف في حديثهم إلى “المدن”، ومنهم النائب جورج عقيص “قيام الحكومة اللبنانية ووزارة المال بتوفير كل ما يلزم من إجراءات تقنية تفرضها هكذا معاهدات دولية، ولا سيما برمجيات إلكترونية تحتاجها وزارة المال، وتتعلق بشروط الأمان والسرية للحسابات المصرفية. وهي غير متوفرة للأسف في لبنان. فابتداء من حزيران 2020 سيبدأ البنك المركزي السويسري بتخزين المعلومات، حتى يتقدم الجانب اللبناني بالطلب رسمياً بتسلمها”.
القوانين الموجودة كافية للاسترداد
وترى مصادر “المدن” أن الحل الوحيد المتاح حالياً هو دفع القضاء اللبناني للعمل مع القضاء السويسري، وطلب رفع السرية المصرفية عن حسابات الأشخاص المتهمين بالفساد، أو بسرقة المال العام. فهل ستُتابع وزيرة العدل ماري كلود نجم هذا الملف؟ وهي التي قالت عند تسلمها مهامها أنها ستعمل من أجل استرداد الأموال المنهوبة وإستقلالية القضاء؟
يقول رئيس منظمة جوستيسيا، بول مرقص، لـ”المدن”، أنه “يُمكن تتبّع أو تجميد أو حجز أو طلب استرداد الأموال المختلسة، استناداً إلى سلة من القوانين القائمة، وغير المطبقة، بسبب الحمايات السياسية ومنها المادة 351 وما يليها من قانون العقوبات، قانون الإثراء غير المشروع، قانون المحاسبة العمومية، قانون حماية كاشفي الفساد، قانون الوصول إلى المعلومات، قانون التبادل الضريبي بالنسبة لجرم التهرب من الضريبة. وهذه الإمكانية القانونية تتعزّز دولياً، لأن لبنان طرف منذ 24/4/2009 في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد UNCAC وهي الأداة الدولية الأولى الفاعلة والصادرة في 31/1/2003 والتي دخلت حيز النفاذ بتاريخ 14/12/2005 والتي تنصّ على “إرجاع الموجودات والتصرّف فيها” وفقاً لآلية ملزمة للتعاون بين الأطراف (نحو 190 دولة)، خصوصاً بالاستناد إلى المواد 46 و50 و55 و56 وسواها منها”.
وأشار إلى “سوابق كما جرى في تونس (زين العابدين بن علي، 2011)، مصر (حسني مبارك 2011)، أوكرانيا (فيكتور يانوكوفيتش، 2014)، كازاخستان (2008-2014)، البرازيل (2014)، وقبلها الفيليبين (ماركوس، 1986 لغاية استرداد الأموال عام 1998 بعد صدورعشرات الأحكام القضائية في سويسرا)، هايتي (جان كلود دي فاليي 1986)، نيجيريا (ساني أباشا، 1993-1998).
ولفت مرقص إلى أن “السياسيين لا يفتحون الحسابات بالضرورة بأسمائهم الشخصية، بل تحت أسماء مستعارة وبموجب كيانات معنوية كالشركات، وإن لدى سويسرا قانوناً خاصاً صادراً عام 2011 معروف بقانون دوفاليي وآخر عام 2015 وقانون potentate Money Act الذي يجيز تجميد أموال السياسيين الأجانب، فضلاً عن سلطة فدرالية لمراقبة الأسواق المالية، والتي يعود إليها التأكد مما إذا تم إجراء عناية واجبة على تحويلات المتنفذين الأمنيين والسياسيين، للتأكد أنها غير ناتجة عن فساد، فيصار إلى تجميدها بشروط مجتمعة (سقوط الحكومة، فساد مرتفع، مصدر الأموال جرمي، مصلحة سويسرية عليا)”.
في الخلاصة، يحق لهيئة التحقيق الخاصة مخابرة السلطات الأجنبية والمحلية كافة. ويُمكن للسلطات القضائية المختصة، عبر وزارات العدل والخارجية وربما المالية، متابعة هذا الملف مع الجهات السويسرية المختصة، إذا كانت هناك نية فعلية وجدية في استرداد الأموال المختلسة، بمعزل عما إذا كانت ستخبرنا لجنة الرقابة على المصارف بما توفر لديها من أرقام عن حجم التحويلات إلى الخارج، أم لا.
بقي فقط أن نجد سلطة تريد فعلاً تطبيق القوانين.
المصدر: المدن