حكومة حسان دياب.. استنساخ “الوصاية” لتأديب الانتفاضة
منير الربيع – المدن
كثر سيذهبون إلى قبر رستم غزالة لتلاوة الفاتحة، ولطمأنة تربته بعودتهم. وقفة هؤلاء على القبر، لن تكون كوقفة الجنرال غورو أمام ضريح صلاح الدين الأيوبي ليقول بأعلى صوته: “ها قد عدنا يا صلاح الدين”. إنما سيهمسون مناجين رستم قائلين له أن عودتهم مظفّرة، وهي وإن لم تقتلع تماماً عشب القطيعة بين الشام أو عنجر وبيروت، ستنثر على الطريق بذور أزهار العودة. وسيعبّدونها بحلم الانتقام بعد 15 سنة على الرحيل. “ها قد عدنا”، سيقولونها للخصوم، لمن أرادوا التشفي ذات يوم من حقبة الوصاية، ليقولوا إنها قد بعثت من جديد، في حكومة ملائكة وشياطين زمنها وما سلفها من أزمان، وهي التي عملت على إنجاز التشكيلة الحكومية الآن، والتي تمثّل أكبر إهانة للبنانيين وانتقاماً منهم. انتقام بمفعول رجعي، أصحابه طرفان.
طرف زمن الوصاية السورية الذي بدأ يستعيد دوره منذ العام 2016، ووصل إلى أقصى مراحل مع إنجاز هذه التشكيلة الحكومية، وطرف آخر كان يدّعي خصومته للوصاية لكنه عاد وتحالف معها، ويريد حالياً الانتقام من اللبنانيين كلهم، الذين تجرأوا و”ارتكبوا” انتفاضتهم في 17 تشرين لإسقاط وصايته على العهد والجمهورية. تحقق الانتقام بخديعة الإعلان عن حكومة أسميت بحكومة التكنوقراط والإختصاصيين، لكن قراءة بسيطة لأسمائها وكيفية تولي الوزراء فيها للحقائب، تظهر أن لا علاقة لها بالتكنوقراط، سواء عبر دمج وزارات من قطاعات مختلفة وتسليمها لوزير واحد، أو بعملية المناقلات بين الشخصيات الوزارية من حقيبة إلى أخرى حتى الرسو على ما وصلت إليه المحاصصة السياسية والحزبية.
كثرة الديوك
تعثّرت ولادة هذه الحكومة أكثر من مرّة، بسبب الخلافات بين الحلفاء. وصل حزب الله إلى مرحلة نفض يده من العمل على تشكيلها، بسبب الخلافات على مراكز القوى وجشع الحلفاء بانتهاز الفرصة وتعزيز الحصص. موقف الحزب أحدث هزّة في بدن حلفائه، فهو الوصي الأكبر، ويعلم أن الطامحين للعب دور الوصاية كثر، كثر الديوك من حوله فاشتبكوا. فكان بحاجة إلى نفض يده، ليقف كل منهم عند حجمه. عندها استحقها الجميع، تخلّى الحلفاء عن تدللهم ورفع سقوف مطالبهم، وذهبوا إلى التعاطي بواقعية وجدية أكبر. لم يحتمل باسيل غضب الحزب، فهو الذي كان يلوح بتشكيل حكومة أمر واقع بعد موقف سليمان فرنجية، المتمسك بالحصول على وزيرين بحقيبتين. وبالتالي، استبعاد فرنجية وغياب برّي تضامناً مع المردة. عندها نفض الحزب يده، فعاجل باسيل إلى الاتصال ببري بحثاً عن مخرج.
تصفية حساب
بدأ مسلسل الإرضاء والتراضي، برّي كان منزعجاً من عمل النائب جميل السيد على تشكيل الحكومة وتخريجها من بين يديه، فكان هو راسم خطّة سيرها بالتسهيل أو التعثر. انهالت الاتصالات على عين التينة لإعادة الاعتبار إلى برّي، وتثبيت مرجعيته ودوره الأساسي في تسهيل تشكيل الحكومة، والعمل على إخراجها من بين العقد. جميل السيد، احتفظ بدوره وتأثيره سواء ببعض الوزراء أو بعلاقته مع رئيسي الحكومة والجمهورية ومع حزب الله. باسيل الذي تنازل عن الثلث المعطّل، نظرياً، لإرضاء بري وفرنجية أيضاً، احتفظ لنفسه بأدوار البطولة من شقين، شق أنه كان المبادر والساعي إلى تشكيلها مع رئيس مجلس النواب، والشق الآخر، بالانتقام حصراً من وليد جنبلاط، عبر حليفه طلال ارسلان ومنحه وزيرين درزيين مع أربع حقائب، ما يشكل سابقة في تاريخ الدروز. فمع حقائب الأربع لإرسلان نظرياً، ووفق حسبة الحكومة السياسية الثلاثينية، يكون باسيل قد حصل على 10 حقائب، فاستعاض عن الثلث المعطّل بهذا الكم من الوزارات.
عملياً، تشكلت حكومة اللون الواحد الذي يفرضه حزب الله في السياسة العامة والخارجية، وفي السياسة الداخلية. وستكون أيضاً حكومة اللون الواحد، بتدرجاته المتعددة، بين الحزب، وباسيل، وحلفاء النظام السوري. معها، ستحاول السلطة الجديدة، تصفية الحساب مع شركاء السلطة القديمة، ولن تسقط من حسابها أي محاولة لتأديب الانتفاضة وإنهائها.