اخبار العالم

بعد الرد “المزلزل” .. هل تتفاوض إيران مع أمريكا؟

لم يكن مفاجئاً أن يكون الرد الإيراني على مقتل القائد العسكري قاسم سليماني بهذا المستوى، الذي تفوح منه رائحة “الصفقة” والاتفاق على حدوده وزمانه ومكانه وحجمه.

استهداف الحرس الثوري قبل أيام، عبر حوالي عشرين صاروخاً، قاعدتين عراقيتين تستخدمهما القوات الأمريكية في العراق (الرمادي غرباً وأربيل شمالاً)، ثبت وعبر تصريحات عراقية وإيرانية أخرى أمريكية، أنّ الضربة كانت “منسقة” وأنّ الأطراف الثلاثة كانت على علم بموعدها وتفاصيلها، رغم تحايل رئيس الوزراء العراقي بالزعم أنّه علم بالضربة من القيادة الإيرانية قبل وقوعها بأقل من ساعة.

وتالياً قراءة للضربة الإيرانية وسياقاتها ومآلاتها:

أولاً: على المستوى العسكري أنهت الضربة المتفق عليها بين أمريكا وإيران، وعبر طرف ثالث، يرجح أنّه قطر، أو أوساط في الحكومة العراقية، مع أمريكا، احتمالات المواجهة المباشرة، التي كانت قائمة بين إيران وأمريكا على خلفية مقتل سليماني، ورغم أنّ الضربة لم تحقق أياً من أهدافها بقتل أي أمريكي، واستخدمت فيها صواريخ قديمة، تزامنت مع تغطية إعلامية مفبركة، إلا أنّ القيادة الإيرانية تعاملت معها بوصفها الانتقام الكبير لمقتل سليماني، وضخت أدواتها الإعلامية سيلاً من المزاعم، بما فيها مقتل ثمانين جندياً أمريكياً، وهو ما يؤكد حقيقة أنّ إيران تستخدم خطابين إعلاميين؛ الأول موجه لقواعدها وأتباعها، بمفردات الانتقام و”الشيطان الأكبر”، والثاني خطاب متوازن للخارج تؤكد مفرداته أنّ إيران لا تريد الحرب وأنّها تتطلع للسلام

ثانياً: ورغم ذلك، فإنّ إغلاق ملف “الانتقام المزلزل” لا يعني توقف التصعيد بين أمريكا وإيران، والمرجح أن تتواصل استراتيجية الصراع بينهما، وفقاً لمقولة “عض الأصابع” برهانات أمريكية على أنّ الضغوطات والعقوبات الاقتصادية ستجبر القيادة الإيرانية على التراجع عن مواقفها وهذا ما أكد عليه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في كلمته التي ألقاها في اليوم التالي للضربة، مقابل رهانات إيرانية على قدرتها على الصمود أمام العقوبات والضغوطات، باستخدام ساحة العراق اقتصادياً، ورهانات على مواقف أوروبية وروسية وأخرى صينية، ثبت أنّها تأخذ باعتبارها مصالحها مع الولايات المتحدة قبل مصالحها مع إيران.

إنّ عودة الصراع لمستويات ما قبل مقتل سليماني، تشير إلى أنّ الأعمال العسكرية التي تمارسها إيران عبر وكلائها في ساحات: العراق وسوريا ولبنان واليمن، ستتواصل وباتجاهات تحددها مستويات التقدم والإخفاق في المفاوضات السرية التي تجري عبر أكثر من قناة بين أمريكا وإيران “العراق، قطر، سلطنة عمان، سويسرا، اليابان”، والتي ربما ستتعزز فرصها بغياب سليماني، وتفتح أفقاً لتفاهمات جديدة بين التيار المتشدد بقيادة المرشد خامنئي، ورئيس الجمهورية حسن روحاني ومعه وزير الخارجية جواد ظريف، وقد جاءت تصريحات أحد زعماء الحشد الشعبي المقرب لإيران، قيس الخزعلي، بأنّه بعد الانتقام الإيراني، إنّ أوان الانتقام العراقي لمقتل “أبو مهدي المهندس” الذي قضى مع سليماني في الضربة الأمريكية قد حان.

ثالثاً: جاء الرد الإيراني “المزلزل”، ليرسل رسالة إيرانية بأنّ العراق وفقاً للقاموس السياسي الإيراني هي جزء من إيران، وليؤكد أنّه في آخر قائمة الأوراق الإيرانية التي يمكن التفاوض عليها لاحقاً، خاصة وأنّ العراق يشهد منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي ثورة شعبية حقيقية ضد الوجود والاحتلال الإيراني للعراق، في مناطق الوسط والجنوب التي تفترض القيادة الإيرانية أنّها جزء من المكون المذهبي الإيراني.

وقد كشفت الردود العراقية “الرسمية” على الضربة الصاروخية الإيرانية حجم الانقسام بين العراقيين من جهة، وحجم النفوذ الإيراني بالعراق من جهة ثانية، ففي الوقت الذي لم يتمكن فيه رئيس الحكومة العراقية المستقيل، عادل عبد المهدي، من تقديم موقف يدين انتهاك إيران لـ “السيادة العراقية” جاءت تلك الإدانة من قبل رئيس الجمهورية، فيما كان موقف مجلس النواب والهتافات ضد أمريكا بعد مقتل سليماني، في جلسة قرار الموقف من وجود القواعد الأمريكية، كافية لإرسال إشارة بحجم السيطرة الإيرانية على الكتل النيابية والنخبة السياسية العراقية الحاكمة.

رابعاً: يرجح أن يتواصل التصعيد الإيراني في المدى المنظور، عبر الوكلاء، غير أنّ هذا التصعيد، وخلافاً لما يتردد بأنّه بعد مقتل سليماني تغيرت قواعد الاشتباك، فإنّ أي تغيير في قواعد الاشتباك لن يكون بمصلحة إيران ووكلائها، ولم تكن الزيارة المفاجئة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى دمشق، بعد غياب سليماني بيومين، إلا إشارة حول الدور المركزي لروسيا في الملف السوري، وباتفاق مع أمريكا، عنوانه دستور سوري جديد، وإخراج إيران من سوريا، بالتزامن مع ضربات متوالية للتشكيلات الإيرانية في مناطق الحدود العراقية السورية “البوكمال ودير الزور” وخفوت واضح في دور الميليشيات الإيرانية في معارك إدلب وريف حلب.

ورغم تعدد الاجتهادات والسيناريوهات المحتملة لكيفية وحدود ومستويات الصراع بين إيران وأمريكا، فإنّه بإغلاق ملف شخصية بوزن قاسم سليماني، فالمرجح أن تكون مآلات كل تلك السيناريوهات، صفقة إيرانية- أمريكية، ربما تتطلب غياب شخصيات وقيادات بحجم سليماني، داخل إيران وفي أوساط وكلائها؛ حيث تملك القيادة الإيرانية قدرات غير محدودة على تمرير أية صفقة والظهور بأنّها منتصرة، على غرار الرد “المزلزل” على مقتل سليماني.

المصدر: موقع الحفريات

 

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button