اخبار العالم

خفايا اغتيال الجنرال قاسم سليماني في بغداد

جورج مالبرونو – لو فيغارو

ترجمة صوفي شماس

بعد أسبوع على اغتيال قائد فيلق القدس، تستعرض مجلة لو فيغارو الفرنسية الأسئلة الرئيسية التي تدور حول عملية الاغتيال هذه.

كيف تم تتبّع قاسم سليماني من بيروت إلى بغداد؟

في صباح يوم الخميس 2 كانون الثاني، هبط قائد فيلق القدس في مطار دمشق في سوريا قبل أن يتوجه إلى بيروت، وتظهر الصور التي نشرت له بعد وفاته على الشبكات الاجتماعية وهو يلتقي حسن نصر الله في مكان يختبئ فيه، والذي تتم مراقبته أيضاً إنما من قبل إسرائيل، وهو الذي يقود حزب الله، أبرز الأذرع الإيرانية في الشرق الأوسط. نرى في هذا اللقاء أمراً نادراً للغاية: نصر الله بدون العمامة السوداء الرمزية التي يرتديها الأسياد، أحفاد النبي. بضع ساعات من النقاش حول التوتر المتزايد في العراق، والذي تغذيه المليشيات الشيعية الموالية لإيران التي حاولت، قبل يوم واحد، اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد. في وقت متأخر من بعد الظهر، توجه سليماني إلى دمشق، حيث أخذ الرحلة العادية لطيران “أجنحة الشام  SAW501” إلى بغداد، لكن موعد مغادرة الطائرة تأخر من الساعة الثامنة وعشرين دقيقة مساءً إلى الساعة العاشرة وثمانية عشرة دقيقة مساءً. فوزارة الخزانة الأميركية فرضت على شركة الطيران “أجنحة الشام” عقوبات بسبب نقلها “معدات عسكرية إلى سوريا”، وفي منتصف كانون الثاني الماضي، بدأت وزارة النقل السورية بتجميد أصول مالكها، رجل الأعمال عصام شموط، كما أن لروسيا رأي في أمن المطار السوري. بين الركاب، الجنرال الإيراني محاط بالعديد من المتعاونين. هبطت الطائرة الساعة الثانية عشراً ليلاً في منطقة الشحن في مطار بغداد. وقال مصدر عراقي في بغداد لصحيفة “لو فيغارو”: “لم يمر سليماني عبر محطة الركاب”، فهو يدخل العراق بدون تأشيرة، في بعض الأحيان عن طريق المطار، وأحيانا عن طريق المعابر الحدودية بين البلدين، أو حتى من الأراضي السورية. في المطار في ذلك المساء، استقبل قاسم سليماني ذراعه اليمنى، العراقي أبو مهدي المهندس، الذي يرأس ميليشيا كتائب حزب الله في العراق، والتي قتلت متعاقداً أميركياً في قاعدة عراقية، قبل أيام قليلة. تبادل الرجلان والوفد المرافق له بضع كلمات في صالة الشرف الرئاسية التي لا تقع في المطار العادي، بل في المطار الآخر الذي كان صدام حسين يستخدمه لضيوفه المميزين. بعد بضع دقائق، استقل الرجلان السيارة نفسها، وهي تويوتا أفالون، التي تمّ استهدافها في الساعة الثانية عشرة وخمسة وأربعين دقيقة ليلاً بصاروخ Hellfire أطلقته طائرة بدون طيار. يظهر التحقيق الذي أجرته الشرطة العراقية،  أن الصاروخ الذي سقط على أبو مهدي قد مزّق جسده – كما قامت إيران بتحليل الحمض النووي أثناء التشييع في طهران – بينما جرى تحليل ذراع وجزء من رأس سليماني، ولقد سهّل الخاتم المرصّع بحجر أحمر غامق عملية التحقّق من جثته.

من أين أقلعت الطائرة؟

عصر يوم الخميس 2 كانون الثاني ذهب فريق من الأمريكيين إلى المطار لإيقاف عمل الرادارات المدنية، حسبما قال النائب العراقي السابق لصحيفة  لو فيغارو. “ربما أراد الأمريكيون محو ذكريات الرادارات لإزالة كل أثر يتعلق بإطلاق النار من الطائرات بدون طيار”، يحلل أحد الأخصائيين في الطيران. تتم إدارة الرادارات المدنية في مطار بغداد من قبل شركة “ريثيون” الأمريكية، ولقد تم استخدام طائرة بدون طيار MQ-9 Reaper للقضاء على سليماني. هناك موقعان لإقلاع هذه الطائرات: الكويت، أو قطر، موطن أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط، حيث تنطلق منها الطائرات الأمريكية بدون طيار، واللافت أن وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، انتقل إلى طهران في اليوم التالي للعملية. وبما أن إيران تحرص على الحفاظ على العلاقات مع قطر، كان من المهم أن تحفظ قطر ماء الوجه كي لا ينظر إليها على أنها خادم للولايات المتحدة. مباشرة بعد إطلاق الطائرة بدون طيار صاروخها، قام فريق من العراقيين المقربين من إيران بتفتيش المطار، وفقاً لشاهد وصل عبر رحلة أخرى، واعتقلت السلطات في بغداد عضواً سورياً في طاقم الطائرة، وعاملاً في جهاز المخابرات الوطني العراقي – جهاز الاستخبارات الأجنبية – المقرّب من الولايات المتحدة. فالأمن في المطار تتقاسمه شركة G4S البريطانية لعمليات التفتيش، والتي تعمل تحت سلطة الأمن القومي، والمخابرات العراقية.

 

هل لعبت إسرائيل دوراً في القضاء على سليماني؟

عندما قرر دونالد ترامب القضاء على قاسم سليماني، بعد وقت قصير من محاولة الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد في 31 كانون الثاني، لم تكن لدى أجهزة المخابرات الأمريكية، التي كانت تتعقبه منذ فترة طويلة، معرفة دقيقة بمكان هدفهم، بحسب ما تفيد به الصحافة الأمريكية. لكن “آذان كبيرة” من البنتاغون أو وكالة المخابرات المركزية عرفت أن الإيراني كان يقوم برحلة إلى الشرق الأوسط. هل أوعز الموساد أثناء مراقبته لحسن نصر الله بموقع سليماني أثناء مروره في بيروت؟ في الماضي، كانت إسرائيل تحيط عمليات تصفية أعدائها بالسريّة التامة. شكّك العديد من الخبراء في أن الولايات المتحدة بحاجة إلى مساعدة إسرائيلية. “كان من الممكن أن تكون مساهمة إسرائيل مهمة في منطقة يقلّ فيها عدد العملاء الأميركيين أو عندما يكون من الضروري نشر وسائل معلومات بشرية، وهذا ليس هو الحال في العراق ولبنان”.

هل أتى سليماني ليسلّم رسالة استرضاء إلى السعودية؟

صرح رئيس الوزراء العراقي المستقيل، عادل عبد المهدي، أمام البرلمان: “كان من المفترض أن أقابل سليماني في يوم مقتله، لقد جاء ليسلّمني رسالة من إيران رداً على الرسالة التي سلمناها لإيران من السعودية”. ومن هنا جاء سفر سليماني على رحلة عادية ومع جهاز أمن مخفف. بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبعيداً عن العمل على وساطة بين الرياض وطهران، فقد جاء سليماني لإعداد حملة من الهجمات ضد الأمريكيين في العراق. لم تستطع واشنطن تقديم أي دليل يدعم هذا الطرح. من جهة أخرى، لا يصدّق دبلوماسي أوروبي أيضاً برواية عبد المهدي المتعلقة بالسعودية وإيران، بل يشير إلى باكستان واليابان كمركز لتبادل الرسائل. كما يشير أحد النواب العراقيين إلى أنه قابل سليماني عدة مرات في طهران عندما كان من المقرر تعيينه وزيراً قبل بضع سنوات، ويتذكر أن سليماني كان يعرف كل تفاصيل الحياة السياسية العراقية. “لقد كان يتكلم اللغة العربية جيداً، وكنا نتحدث معه باللغة العربية، لكنه كان يجيب باللغة الفارسية. وحين كان يغادرنا، كان يقود سيارته البيجو بنفسه من دون مرافقة أمنية ظاهرة. لا بد أنه كان يشعر بأنه لا يمكن المساس به”.

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button