“الثنائي الشيعي” ينقضّ على ساحات الثورة
نادر فواز – المدن
أخذت أحزابُ السلطة لبنانَ إلى عالم الفتن المتنقّلة. كل السلطة مسؤولة طبعاً، لكن ثمة فيها من يلوّح علناً بالحرب الأهلية.
حزب الله وحركة أمل يلوّحان بالحرب الأهلية. هذه الرسالة واضحة من خلال مشاهد التدمير والتخريب ومعارك الشوارع التي شهدتها ساحات الاعتصام في بيروت وصيدا والنبطية وصولاً إلى بعلبك والفاكهة. هذه السلطة لن تتلكأ في ارتكاب أي جرم، كبير أو صغير، لإنهاء الثورة. فالانتفاضة الشعبية وصلت نقطة اللاعودة. والأحزاب الحاكمة أمام حائط مسدود، فتفلت القوى الأمنية حيناً ومجموعات الشبيحة حيناً آخر. لم يعد هدف حركة الشبيحة في الميدان إثارة البلبلة أو التخويف فقط. يبحثون عن ضرب الثوار وتجمّعاتهم من جهة، والتلويح بورقة الخلل الأمني والحرب لحلفائهم وخصومهم في السلطة على حد سواء أيضاً.
تقول الرسالة إنّ الساحات يجب أن تُخلى، وإنّ الخيارات السياسية تضيق مجدداً. يريد الشبيحة استعادة الأرض التي اهتزّت تحت كراسي زعمائهم. وفي بلد الديكتاتوريات الطائفية، لا بد أن تكون الفتنة المذهبية مدخلاً للقمع. فكان فيديو لشاب طرابلسي معتوه ومقيم خارج لبنان مفتاحاً أساسياً لباب الفتنة، بعدما كانت وسائل الإعلام أكثر عتهاً بترويجه. وكذلك فيديو آخر عن حرق ملثمين لعلم لحركة أمل مجهول المصدر. مادة تافهة لكن يمكن استغلالها في وقت حرج. فكانت ليلة سوداء جديدة من التشبيح أينما تيسّر وصول الشبيحة.
“شيعة شيعة” مجدداً
في بيروت، على مداخل ساحتي الشهداء ورياض الصلح، احتشد المئات من مناصري حركة أمل وحزب الله. هجموا بهتافهم المعهود: “شيعة شيعة”. ألقوا قنابل المولوتوف والمفرقعات النارية وكل ما تيسّر من حجارة. كان هدفهم الوصول إلى الساحتين لحرق الخيم، فمنعتهم القوى الأمنية. صف أول من قوى مكافحة الشغب وآخر خلفي لعناصر الجيش اللبناني. استمرت الاشتباكات لساعات. اعتدى المهاجمون على المباني والأملاك الخاصة والعامة، وحرقوا ثلاث سيارات، ومباني قيد الإنشاء. نيران الفتنة لامست أيضاً محيط كنيسة مار منصور. هذه الفتنة بعينها. حاولت مئذنة جامع الخندق الغميق ردعهم وإعادتهم من حيث أتوا ودعتهم إلى التهدئة ونبذ الفتنة. لم يرتدع مناصرو الثنائي الشيعي. ليس هذا بالأمر السهل. هتفوا لـ”سبعة أيار” جديد. لم يفهموا أنّ حزب الله وحركة أمل، ولو أنهما يستطيعان احتلال البلد بغضون ساعات، عاجزان عن فعل ذلك. لا يريد هذا الجمهور فهم ذلك. اعتاد الاستعراض في الشارع في خطاب التفوّق الدائم وفائض القوة. لم تعد المشكلة تكمن في “الخندق الغميق”، إذ أتت مئات الدراجات النارية من مناطق مختلفة في ضاحية بيروت الجنوبية. ليتبيّن لاحقاً أنّ “الخندق” مجرّد اسم فقط، وامتدّت حالته إلى مناطق أخرى.
اعتداءات الجنوب
وصلت جماعات من أمل والحزب من حارة صيدا واعتدت على مكان الاعتصام عند دوّار إيليا في صيدا. كسّرت الخيام وهجّرت المعتصمين. كانت قلّة لا تزال تسهر عند الدوار. وحاولت فرق الجيش المنتشرة حمايتها. فصلت بينها وبين المهاجمين قدر الإمكان. وما أنّ وصل الصوت، حتى احتشد فيها مئات الثوار واستعادوا ساحتهم. عادوا واحتلّوا ميدان صيدا هاتفين لمدينتهم وحريتها. لم ينجرّوا إلى الخطاب المذهبي، لكن حافظوا على موقفهم السياسي العالي ضد زعيم الحركة نبيه بري. فطبيعة هذه المدينة مختلفة. لا يمكن أن تُترك للشبيحة، وإن تم ذلك يعني أنّ الفتنة قد وقعت. وإذا كانت صيدا في المرصاد، فإنّ نقطة الاعتصام في النبطية كانت سهلة المنال. سبق لعناصر حزب الله وحركة أمل، أن عاثت فساداً فيها واعتدت على المعتصمين مراراً وتكراراً. كانت خيمة النبطية مهجورة، فصارع المعتدون الهواء وكسروها. نفذوا ما جاؤوا من أجله. وكذلك حاولوا الفعل في كفرّمان. لكن لهذه البلدة أيضاً طابعها وطبيعتها. تجمهر أهاليها بالقرب من مكان الاعتصام وسارعت وحدات الجيش إلى الانتشار لمنع الاشتباك. كفرّمان لم تُكسر من قبل وجمهورها منها وفيها.
اعتداءات بعلبك والفاكهة
في بلدة الفاكهة هاجم أنصار حركة أمل وحزب الله خيمة الاعتصام ورموا فيها قنبلة لم تنفجر. هذا تطوّر لافت في التشبيح. وحسب ناشطين من البلدة، تم تسليم القنبلة إلى العناصر الأمنية بهدف إجراء المقتضى القانوني، (إن شاء الله). كما تم حرق الخيمة التي ضرب الناشطون موعداً لاستبدالها ظهر اليوم. وكانت خيمة الاعتصام في بعلبك قد حوصرت بهدف حرقها أيضاً، في ظل انتشار الجيش حولها من أجل الحؤول دون ذلك. كان المطلوب واضحاً من قبل ثنائي حزب الله وحركة أمل، وهو إنهاء الاعتصامات في مناطق نفوذهم أولاً، علّ ذلك ينسحب على كل ساحات لبنان.
أين الجيش؟
من الملاحظ أن مشهد حياد الجيش، عند نزول أنصار حزب الله وحركة أمل للتخريب، تكرّر من جديد. قد يكون ما جاء في كلام أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، في خطابه الأسبق تأثيره على أداء المؤسسة العسكرية. سأل يومها نصر الله قيادة الجيش “لماذا يدكم مالحة علينا”؟ الجواب في ذلك الخطاب. لكن ما لا يُفهم أيضاً أنه بعد سلسلة الغزوات التي نفذها أنصار ثنائي الحزب والحركة لم تسجّل أي حالات اعتقال. فكانت سابقة ليل أمس، في ساحة اللعازارية حين أوقفت عناصر مكافحة الشغب ثلاثة شبان من المعتدين. تم التوقيف وسط صراخ العناصر الأمنية “ما حدا يضربهم”. ولو أنّ هذه المجموعات حوّلت بيروت وغيرها إلى ساحات من الخراب والدمار.