نهر الشعب لا يجف (بقلم عمر سعيد)
هذه الأرض ولود ، ترابها لا يقضم إلا أجساد الغاصبين الأشرار ..
وإن أنّتْ طويلاً تحت حي التنك ، وكل أحزمة الوجع المتواري خلف أطواق الزعامة الفاسدة .
فهذه الأرض أنبتت مئات القديسين ، وآلاف الشهداء ، وملايين الثوار ، حتى غدت
” قطعة سما ”
فمنذ عقود طويلة وهذا الشعب ينتظر أن تلفظه همومه السوداء كما لفظ الحوت يونس ..
غير أن شعبي ظل عارياً ، بلا يقطينة تقي جلده الممزق وجعاً وجوعاً تحت سياط السارقين.
ولأن هذا الشعب يحمل إلهه في أحشائه ، وليس يجلسه على عرشه في السماء ، راح يموت لئلا يموت ، فالموت لا يجرؤ على الذين يتقدمون صوبه بعينين مفتوحة للحب والحياة.
ولأن شعبي لا يغفو إلا في ظل أشجار غابات الثائرين المنتصبة في وجه الريح السوداء ، تراه يغفوا ، وكفاه تقبضان على فرح الموت والقيامة فالسلام .
فكم من معجزة صنعها قديسوا هذا الوطن ، قد لامست أقدام ملائكة السماء ، غير أنها لم تلامس أسماع الزعماء المنهمكين بالفساد الأسود ..
لذا جرى هذا الشعب كله نهر قداسة ، يخرج من جوف حوت الفاسدين ، وقد أشعل حناجره بأناشيد الثورة والفرح ، وأنار ضفافه بخيم الثائرين ، يحرقها حقد عبيد ، يغسلون أقدام أسيادهم بعرقهم المراق.
لم ينتظر فقراء وطني ومعذبوه رخاً يحملهم من جوف عزلتهم إلى مدن الأساطير الباذخة ،
بل إنهم جبلوا رماد شهدائهم بماء الحياة الذي لا يجف ، وأشعلوه بخوراً بنيران الغضب ، فانتفض عنقاء لا تتستع لجناحيها إلا سوح الوطن الثائرة .
فالشعب الذي لا يرتوي إلا بماء الحرية، وصلاة الشهادة ، يظل يجري نهراً لا يجف ، مهما تأخرت أمطار الثورة .
عمر سعيد .