الثورة اليتيمة ، وإلحاحات العاجزين . (بقلم عمر سعيد)
أجمل ما في ثورة ١٧ تشرين أنها يتيمة ، لم يتبنها لا دان ولا قاص .
بُعثت ككثير من الأنبياء في قوم ، أستحقروهم ، وأهانوهم ، وأذلوهم ، لكنهم حققوا التغيير ، وثبتوا على رسالتهم وفضيلتهم ، فكانوا أمما نبتت في أقسى البيئات ، و أشدها قحلاً وقحطاً ، إذ عز المطر .
لكن هل تهافتت ثورة ١٧ تشرين ؟
كل الثورات اليتيمة تعاني ، تتقاذفها رياح التأييد ، وتتلاطمها أمواج التفاوت الفكري من حولها، وإلحاحات العاجزين عن الفعل .
تتفاوت في المجتمع القدرات ، والإرادات ، والوعي والحاجات والانتماءات ، وتتحكم هذه التفاوتات بعصب الثورة ، لذلك نراها كجسد الطفل قبل اكتمال جهاز مناعته ، ينشط أحيانا ، ويبرد إذا ما انتابته أدوار حرارة وجوع .
ويظل السؤال : إلام تحتاج ثورتنا ؟!
تحتاج ثورتنا إلى الزخم ، الذي توفره لها اتساعات رقعة المشاركات في حراكها.
ويرتبط هذا الزخم بقدرة الناشطين فيها على نشر الوعي الذي يعزز قناعات الناس بثورتهم ، كما يرتبط الزخم بتفاوت الحاجة عن الناس :
فالذي يملك بيتاً ليست دوافعه كالذي يستأجر مأوى يستره ، والذي يملك حساباً ليس كالذي يحمل في جيبه سندات ديون تؤرق نومه وسكينته.
وتأتي الإرادة كأبرز مدعمات الفعل الثوري ، غير أن تفاوت الإرادات تتسبب به مجموعة عوامل تتشارك فيها الترببة والثقافة والقيم والغايات:
فالأسرة التي تربي أبناءها على مفاهيم الخشية والحذر والحرص ، لا تكون إرادات أفرادها كالأسرة التي تربي أبناءها على المبادرة والتحدي والمحاولة .
والفرد الذي يقرأ ، ويعي ، ويحلل ، ليس كالذي يقيم تحت تأثير الإشاعات والدعايات والتحريض والتهديد .
والمجتمعات التي تتبنى قيما سامية كتحمل المسؤولية ، والمبادرة ، والتطوع ، والتعاون والطموح ، والشجاعة ، ليست كالمجتمعات التي تعيش في اللا مسؤولية ، واللا مبالاة ، والبلادة ، الإحباط .
والمجتمعات التي تحيا لغايات وأهداف عظيمة ، تسخر كل الإمكانيات والجهود لتحقيقها ، ليست كتلك التي تعيش لأجل مأكلها وملبسها وحاجاتها البسيطة والاستجداء من هذا وذاك ..
لكل ما اوردناه من تفاوتات ، يظل زئبق الزخم الثوري متأرجاً ، لا يعرف الاستقرار ، حتى تنضج كل الظروف والشروط الواجبة لكتمال الثورة وعياً وعمراً وخبرات .
فما هي الشروط والظروف المطلوبة لإنضاج ثورة ١٧ تشرين ؟!
إن أبرز الظروف المطلوب توفرها يمكن تلخيصها في :
١- تفاقم عجز هذه السلطة الذي سيطال بنتائجه رغيف وصحة وتعليم الغالبية الساحقة في لبنان .
٢- غياب المصداقية في التعاطي ، والمسؤولية في اتخاذ الحلول .
٣- استمرار كذبها وتعاميها عن صراخ هذه الثورة وأسبابها .
اما الشروط المطلوبة لثورتنا فمنها :
١- نضج تجربة الثائرين في الساحات
٢- نضج الشخصيات التي ستفرزها الساحات لتولي التوجيه والقيادة والتسديد ، وليس للتفاوض وجني الثمار .
٣- نضج القدرة على ابتكار الأفعال والخطط وأدوات التحرك التي تحمل الثورة على التحرك قدماً .
أخيراً ، تظل مهمة الثائر من أعقد المهام ، لما تتطلبه من تفهم للتفاصيل وفهمها ، وقدرة على التعاطي مع مجريات الأحداث والإشاعات ، تنشيط الطاقات الخاملة من حوله ، المباشرة في التوجهات والمطالب ، القدرة على التعامل مع كل التفاوتات التي ذكرت ، دفع الأثمان المطلوبة ماديا ومعنويا وجسديا، عدم التمنين لأنه يؤمن ان مجتمعه يستحق كل جهوده .
عمر سعيد