حصار طهران لا يكفي.. ولتتحمل بيروت ثمن ما هو قادم
لم يكن تسلم السعودية للدفعة الأولى من المدرعات الفرنسية VAB MK3 والتي تم تحويل مسارها من باريس – بيروت إلى باريس – الرياض بقرار سعودي معلن، بالخبر المفاجئ للمراقبين والمتابعين على وجه التحديد، إذ سبق أن أعلنت السعودية قبل عامين إلغاء الصفقة الضخمة التي مولتها الرياض لدعم الجيش اللبناني، ووصلت كلفتها إلى ثلاثة بلايين دولار، ومثلت حينها أضخم صفقة تسليح للجيش اللبناني في تاريخه.
لم يكن السبب في إلغاء تلك الصفقة خافياً على أحد، بحيث تشكلت تفاصيل ذلك القرار نتيجة طبيعية للتراجع الحاد (وقتها) في العلاقات السعودية – اللبنانية، ولم يكن كذلك القرار السعودي الصادم هو الأخير في التعامل مع النتائج السلبية التي تركتها بيروت في ملف العلاقات الثنائية، بل تبعتها قرارات وإجراءات سياسية واقتصادية عدة امتدت إلى مرحلة ما بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري التي أطلق عليها «استقالة الصدمة»، وأعلن أنه كان يبحث من خلالها عن نشوء صدمة للشارع السياسي اللبناني بعد أن وصل إلى مرحلة عاجزة لم يعد معها هو وحكومته قادرين على إدارة البلاد.
إلا أن المشهد السياسي منذ ذلك التاريخ وإلى اليوم لم يشهد أي صدمات إيجابية تغير من مساره أو تحقق جزءاً يسيراً من عناوينه الوهمية التي كانت تطرح سياسة «النأي بالنفس» عن الأوضاع في المنطقة والتحرر من الوصايات الأجنبية الراسخة الأقدام في الضاحية عبر «حزب الله»، بل ان الوضع بات اليوم أسوأ منه بالأمس، وأصبح «حزب الله» يجاهر بما كان يقوم به خلف الكواليس وتحت الطاولة، وبات حسن نصرالله اليوم يعلن بكل وضوح وصراحة وبجاحة عن موقف حزبه «شكلاً» ولبنان «موضوعاً» في دعم وشراكة واضحة ومباشرة للعدوان على السعودية من خلال الحوثيين شركاءه في الإرهاب والموجه عبر طهران وتحت ظلال ولاية الفقيه.
لقد وصل نصر الله لمرحلة تضخم إرهابي متعاظم يجاهر من خلاله بدعم الإرهاب، ويستقبل ممثلي العصابة الحوثية في بيروت، ويعلن عبر خطاباته المسرحية عن تمنيه بوجوده شخصياً مقاتلاً ضمن الميليشيات الحوثية الإيرانية على الحدود السعودية – اليمنية.
صحيح أن الأوضاع الميدانية في اليمن وعلى ساحات القتال تؤلم نصرالله وسادته في طهران، وهو ما جعله يهذي في كل خطاب ومناسبة، وهو أمر لم يعد يأخذ حيزاً من الاهتمام أو الالتفات من قبل السعودية، إلا أن تملك «حزب الله» السيطرة السياسية والاقتصادية والأمنية وتحكمه بمفاصل الدولة اللبنانية حتى وهي تمر بأسوأ حالاتها، لهو أمر يحتم اتخاذ السعودية وحلفائها من جانب، والمجتمع الدولي من جانب آخر، إجراءات فعلية تعكس صدقية العالم في جديته للحرب على الإرهاب ورغبته الحقيقية في القضاء عليه، وإن كانت خطوات البيت الأبيض بدأت، على رغم تأخرها، في معاقبة طهران منبع الإرهاب والقلاقل في المنطقة، إلا أنه في الوقت ذاته ينبغي ألا تبقى أذرع طهران تتحرك وتمتد بحرية وبلا قيود في العراق وسورية واليمن، وينبغي فعلياً إذا ما أرادت القوى الكبرى في العالم أن تتصدى للإرهاب بشكل جذري أن تُمارس عملاً ومنهجاً شاملاً وسياسة ثابتة تلغي من خلالها الانتقائية التي تسير عليها الآن، فـ«داعش» الإرهابية التي تشكلت لها الجيوش والتحالفات ينبغي ألا تكون وحدها، ويجب أن يعامل «حزب الله» منظمة إرهابية فعلاً على الميدان، وليس على الورق، وعبر بيانات تجميد الحسابات البنكية، صحيح أن نظام طهران هو رأس الحربة الإرهابية ومعمل أنشطتها ومعبد أيديولوجيتها، إلا أنه لن يتضعضع، ولن يسقط طالما بقيت أذرعه وممثليه والموالين له يشمون الهواء الطلق في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، ويسيطرون على صناعة القرار وإرهاب الشارع والمجتمع، ويجب أن تنفذ الإجراءات الدولية في أكثر من اتجاه، وفي تزامن وقتي محكم، لا أن تحاصر طهران وتبقى ذيولها تلعب في مواقع عدة. أما اللبنانيون فعليهم أن يعرفوا أن السعودية التي كانوا يعرفوها في مرحلة الخمسينات في عهد الملك عبدالعزيز وكميل شمعون، ثم في السبعينات خلال انعقاد مؤتمر الرياض، ثم في المرحلة الأهم في تاريخ لبنان عام 1989 عبر مؤتمر الوفاق الوطني (مؤتمر الطائف)، الذي أنقذ لبنان وجمع شتاتها بعد حرب لبنانية – لبنانية طاحنة أكلت الأخضر واليابس، ثم ما جاء بعده من دعم سياسي واقتصادي لم تشهده دولة في المنطقة وإلى اليوم، أقول إن السعودية اليوم لم تعد تلك التي يعرفوها، فقد باتت اليوم أكثر من أي وقت مضى قدرة وجاهزية على أن تستكمل ما تبقى من إجراءات مفصلية وصارمة تركتها على مداخل الأبواب المواربة على أمل عسى ولعل أن يُستوعب الدرس بما تم من إجراءات سابقة ورسائل والعودة لجادة الصواب والتزام العهود والمواثيق، ولكن من دون جدوى، لتبقي الرياض خياراتها الاستراتيجية مفتوحة لحفظ حقوقها وسيادتها الكاملة بعد أن أصبحت بيروت اليوم أكثر من أي وقت مضى مصدر خطر واضح ومعلن يمس أمن السعودية الوطني بتمويل الأعمال الإرهابية التي وصلت للعمق السعودي عبر شراكة وعمالة وتخطيط وإدارة لكل جرائم الميليشيات الحوثية الإيرانية، إذ كان الإرهابي اللبناني في «حزب الله» طارق حيدرة آخر القادة الميدانين الذين سقطوا في اليمن قبل أيام.
الفترة المقبلة حبلى بالكثير من المفاجآت، ولعل ساعة الصفر اقتربت هذه المرة.
خالد دراج – صحيفة الحياة