حلوى ما بعد السقوط لمن ؟! (بقلم عمر سعيد)
عندما يضعف ذو القوة الغشيمة ، يدخل حالة من الهيجان، وتشتعل كل نيرانه الداخلية ..
فيلجأ إلى تحطيم وتكسير وتهديم كل ما حوله ..
ليس لأنه قوي ، بل لأنه عاجز ، فقد أفلتت منه كل ذاته التي كان يعتد بها ، وفقد كل مرتكزاته التي ألفها في مشاهده اليومية ..
وتكون ذروة هيجانه واشتعاله حين يستنجد بكل نقاط ضعفه التي كان يسيطر عليها ، وقد استنفذ كل حَيل ، وهو يعلم أنه آيل إلى سقوط مدوٍ ..
وما نقاط الضعف في المشاهد الليلية من حولنا إلا أولئك المساكين المسعورين ، يتراكضون في شوارعنا ، سعياً لإطفاء الهشير المستعر في كيان ذي القوة الغشيمة ، وقد تهاوت صورته ، وليتهم يعلمون أنهم إنما يفرون إلى الأمام من صوت السقوط المدوي ..
ومهما علا الصراخ والغضب وصوت التحطيم والتكسير والرصاص المتقطع من هناك وهناك ، لن يتمكن كل أولئك من إعادة جمع زعيمهم المتناثر في رماد أفعاله أمام رياح الثورة ، ولا من استعادة السادس عشر من تشرين أول ..
لقد سقطوا جمعيهم .. سقطوا لأن التغيير الحقيقي حصل في جوهرهم الذي اهتز ، وأدرك أن لا مناص من التألم تحت مباضع هذه الثورة التي تجترح التغيير ..
لقد أوجعهم فعل الثورة فيهم من الداخل إذ فرض عليهم ضرورة فتح أعينهم على مشهد جديد ما اعتادوا شدة وضوحه ، وما ظنوه يوماً سيأتي ..
وأصعب مراحل الألم هي مرحلة التقبل والإقرار بكل ما حصل وخاصة الاقرار به مع الذات ، لتليه مرحلة التعايش مع هذا الحاصل الجديد المليء بخسائرهم وهزائمهم وتقهقرهم بعد كل جولة ؛ يخوضونها في محاولاتهم اليائسة للخلاص.
لقد سقط الاحتلال الطلياني لليبيا مع سقوط نظارات عمر المختار عن عينيه حين تدلى في حبل المشنقة..
كانوا يرونه مشنوقاً ، وكان يراهم راحلين عن وطنه ..
هكذا هي حتمية البداية ، تنهض في زمن ومكان معينين على أنقاض نهاية في زمن ومكان آخرين محددين أيضا ..
سيعود العاجزون بعد لياليهم الحالكة ، وقد انهكهم التعب وغياب القضية الزعيم ، ليستيقظوا على أصوات الحياة الجديدة في الوطن ، وسيشيحون بوجههم عن صواني الحلوى ، تمتد إليهم فوق أكف إخوان لهم في الوطن ، وفي دواخلهم رجاءات تصرخ ، طالبة الصفح وقبول الاعتذار ..
وسيكون لهم ما رجوه ، نعم سيكون لهم ذلك ، وكمية مضاعفة من حلوى تبادل التهاني بانتصار الثورة ، لأن الأحقاد لا تسكن قلوب السائرين إلى النور والسلام والفرح .
عمر سعيد