طريق اللاعودة – القمع والقتل؛ الحل الوحيد لخامنئي لمواجهة انتفاضة الشعب الإيراني
نظام مير محمد – كاتب حقوقي وخبير في الشأن الايراني
تفيد آخر الأخبار الواردة عن انتفاضة شهر نوفمبر في إيران حتى كتابة هذ المقال بما يلي:
عدد المدن المنتفصة: 176 مدينة
عدد الشهداء: 450 شهيد
عدد المصابين: أكثر من 4000 شخص
عدد المعتقلين: أكثر من 10000 شخص
منذ الساعة 12 صباح يوم الجمعة الموافق 15 نوفمبر الحالي، تغير تاريخ إيران إلى تاريخ آخر، وتغير كل شيء في المشهد السياسي والاجتماعي لإيران. ومن هذه المرحلة فصاعدا، بغض النظر عما إذا كانت الانتفاضة ستواجه صعودًا وهبوطًا، فلن يعود نظام ولاية الفقيه إلى سابق عهده، ولن يعود المجتمع الإيراني إلى مجتمع الأمس، ولن تعود الأمور إلى ما كانت عليه.
وأدى رد نظام الملالي على رغبات الشعب بالرفض والتعنت والتهديد والوعيد إلى المواجهة العنيفة. فالشعب المنتفض في جميع أنحاء إيران تدفق في شوارع المدن وتجاوز قضية رفع أسعار البنزين، وانتشر ترديدة الإطاحة بنظام الملالي والموت للديكتاتور في كل مكان، وأضرم المتظاهرون النيران في كافة مظاهر نظام الملالي القمعية المفترسة لثروات الشعب ودمروها عن بكرة أبيها.
وأتيحت لخامنئي الفرصة في اليوم الثاني من بدء المظاهرات وانتفاضة الشعب للتراجع عن قرار رفع أسعار البنزين، الذي يمثل نهبًا لأموال الطبقة الفقيرة محدودة الدخل، والتحايل على القرار المذكور الذي اتخذه رؤساء السلطات الثلاث بدعم من الخبراء.
ولكن نظرًا لأن الأوان قد فات، وأن خامنئي بوصفه صانع القرار الرئيسي لنظام الملالي يدرك أن هذا البلسم وتضميد الجروح لا يشفي ألمًا من الآلام ولا يحل أزمات نظام الملالي المستعصية الحل، وتمادى في عناده بدلاً من التراجع، ووفقًا لعرف كافة الديكتاتوريين أصدر الأوامر بالقمع، انطلاقًا من أنه قال: ” ينبغي على قوات الحماية والأمن أن تنفذ مهامها”.
وما فعله خامنئي يشبه أمر الشاه بإطلاق الرصاص على مظاهرة الشعب الضخمة في يوم الجمعة الدموي الموافق 8 سبتمبر 1978 في ميدان “جاله” بطهران، حيث أن الشاه خطى في طريق اللاعودة بفعله الدموي هذا، وفي نهاية المطاف تمت الإطاحة به في 11 فبراير 1979.
كما تجاوب الملا روحاني مع أمر خامنئي في اجتماع مجلس الوزراء وطالب بقمع الشعب، وقال إن عدد المتظاهرين لا يُذكر.
بعد ذلك، أصدر مجلس الخبراء بيانًا أيد فيه اللجوء إلى القمع الشديد واصفًا مجاهدي خلق بأنهم السبب في حدوث أعمال الشغب في السنوات الأخيرة في إيران. وطالب الأجهزة الأمنية والقضائية في نظام الملالي بتحديد هوية المحرضين والمتسببين في هذه الاضطرابات والتعامل معهم بقسوة وملاحقتهم قضائياً، وإصدار أشد العقوبات في حقهم.
وفيما يتعلق برجال الانتفاضة، قال المتحدث باسم حكومة روحاني، علي ربيعي : “إنهم كانوا يستهدفون المراكز العسكرية والأمنية وكانوا يحركون تيارا ثم يرجعون إلى أوكارهم”.
وقال علي مطهري، عضو مجلس شورى الملالي: ” فيما يتعلق برفع أسعار البنزين كنت أعتقد أنه سيكون هناك رد فعل، لكنني لم أكن أعتقد أنه سيكون بهذا الحجم الكبير”.
ففي هذه الانتفاضة، هاجم رجال الانتفاضة كافة المراكز التي ترمز إلى النهب الحكومي بسبب الكراهية العامة لنظام الملالي، ومن بينها قواعد قوات الحرس لنظام الملالي والباسيح والشرطة والبنوك وما يسمى بالحوزات ”الدينية“ ومكاتب ممثلي خامنئي وأئمة الجمعة وأمانات العاصمة والبلديات ومؤسسات السلب والنهب التابعة لقوات الحرس لنظام الملالي.
وحول عمومية الهجوم على المراكز الحكومية، كتبت وسائل الإعلام الحكومية : لا يوجد مكان إلا وتعرض للهجوم.
وفيما يتعلق بتنظيم الانتفاضة، سلطت كافة وسائل الإعلام الحكومية الضوء على أن تصرفات المتظاهرين كانت احترافية لدرجة أنهم وجهوا العقول إلى إمكانية وجود شبكة مدربة ومجهزة تجهيزًا جيدًا وتتمتع بدعم مالي واستخباراتي قوي. والآن بات من الواضح أن الاضطرابات منظمة تنظيماً جيداً وأن المتظاهرين لديهم هدفًا أكثر أهمية من خلق الفوضى “.
كما أشارت إحدى وسائل إعلام نظام الملالي إلى الدور المتميز للمرأة في الانتفاضات، وكتبت: “في العديد من المناطق، خاصة في ضواحي طهران، وبشكل واضح لعبت النساء ممن تتراوح أعمارهن بين 30 و 35 سنة، دورًا خاصًا في قيادة الاضطرابات”.
إن هذه الاعترافات من قبل وسائل الإعلام الحكومية تثبت أحقية الإستراتيجية لمعاقل الانتفاضة والمدن المنتفضة، أي استراتيجية المقاومة الإيرانية للإطاحة العنيفة بنظام ولاية الفقيه. وللعلم، منذ 20 يونيو 1981، عندما أصدر خميني الأوامر بإطلاق النار المباشر على نصف مليون متظاهر من أنصار مجاهدي خلق في طهران، كانت المقاومة الإيرانية تقول دائمًا أنها لا تسعى إلى وقوع أي اشتباكات ومقاومة عنيفة، ولكن خميني أجبرها على ذلك.
وخلال 40 عامًا من حكم الملالي وقوات الحرس لنظام الملالي لإيران، أكدت منظمة مجاهدي خلق أكثر من مرة على أن الفاشية الدينية الحاكمة لإيران لا تفهم سوى لغة القوة. وقد أثبتت انتفاضة شهر نوفمبر في إيران صحة وشرعية هذه الإستراتيجية وصحة ما نقول.
ويرى المنظرون المقربون من خامنئي بأن “ظاهرة جديدة” قد ظهرت، قائلين إن “المدن التابعة لطهران كانت مركزًا للفوضى”.
والحقيقة هي أن الحكم الكهنوتي الظالم لولاية الفقيه قد انتهى. وما تبقى هو التوازن بين الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية من جهة والقمع والاعتقال والتعذيب والإعدام من جهة أخرى. وبناءً عليه، فإن ما أشارت إليه السيدة مريم رجوي، أثناء مراسيم تأبين شهداء هذه الانتفاضة في أشرف 3 في ألبانيا في 22 نوفمبر، يستوجب ما يلي:
– يجب على الحكومات والمحافل الدولية استبعاد أي اعتبارات لهذا النظام والدعوة إلى الوقف الفوري لعمليات القتل والاعتقالات. وإذا عصى نظام الملالي ذلك يجب عليهم إطلاق العنان لجزاءات مجلس الأمن الدولي بلا مناقشات.
– يجب على مجلس الأمن أن يعلن أن خامنئي وروحاني مجرمان ضد الإنسانية بسبب كل هذا القمع وسفك الدماء لكي يتم تقديمهما إلى العدالة.
– كما يجب على المجتمع الدولي أن يدين بشدة إرهاب الملالي في الفضاء الإلكتروني وأن يساعد الشعب الإيراني على كسر هذا الحصار اللاإنساني.
نظام مير محمد – كاتب حقوقي وخبير في الشأن الايراني