الى الرئيس القوي…. أين مفقودي 13 تشرين؟
قبل 27 عاماً، أطاح الجيش السوري بقائد الجيش اللبناني السابق العماد ميشال عون في عملية دموية انتهت بهروبه الى السفارة الفرنسية ومنها الى باريس. لسنوات طويلة، شكّل هذا التاريخ عموداً أساسياً في الوعي الجمعي لأنصار عون وتياره، واستمر كذلك حتى بعد عودته الى لبنان وتفاهمه مع ”حزب الله“. لكن لهذا التاريخ اليوم رمزية أكبر، إذ يحييه عون للمرة الأولى رئيساً مقيماً في قصر بعبدا.
المفارقة الأبرز أن هذا العهد، ورغم احتفاله بالذكرى اليوم، بات قوة دفع رئيسية باتجاه التطبيع الشامل مع النظام السوري، تحت عناوين فضفاضة مثل الندّية والتعاون الأمني والعسكري، وإعادة اللاجئين السوريين، وأخيراً الحصول على حُصة معتبرة من مشاريع اعادة اعمار سوريا.
رغم الهرج والمرج والتصريحات الشعبوية المتكررة، تبقى كل هذه العناوين والحجج فاقدة للصدقية لأسباب عديدة.
بداية، المسؤولون السوريون أبدوا في لقاءات دبلوماسية استياءهم حيال التصريحات اللبنانية عن المشاركة في عمليات إعادة الإعمار، سيما ما ورد على لسان مسؤولين في طرابلس ورئيس الوزراء سعد الحريري. وهذا الموقف الرسمي ينسحب أيضاً على مسألة اعادة اللاجئين السوريين الى مناطقهم الأصلية، وبخاصة لو أخذنا في الاعتبار ربط الرئيس السوري بشار الأسد في خطاباته الأخيرة بين انتصاراته وبناء مجتمع أكثر تجانساً (من المؤيدين) بعد الحرب. واللاجئون يُمثلون مجتمعات تظاهرت بغالبيتها الساحقة ضد النظام، وفقدت منازلها وأفراداً من عائلاتها في الصراع معه. كيف يُعيدهم النظام، وهل يثقون بعودة آمنة واستقرار في ظله؟
الأمل الوحيد لهذا العهد بتحقيق أي انجاز في هذا الملف، يكمن في إعادة جزء من اللاجئين إلى المنطقة التركية الآمنة التي تتسع يومياً في الشمال السوري.
إذاً، لا فرص اقتصادية ولا رغبة لدى النظام في اعادة اللاجئين.
وفي خصوص الحديث عن الندّية، ينفع طرح السؤال الجوهري الآتي: ”أين مفقودي 13 تشرين الأول عام 1990؟“.
جمعية ”أمم“ أعدت ضمن مشروعها التوثيقي قائمة بأسماء عدد كبير من المفقودين خلال الحرب اللبنانية، وبينهم عشرات الجنود والضباط اللبنانيين الذين اقتادتهم القوات السورية في 13 تشرين الأول عام 1990 إلى سجونها، وغيّبتهم هناك.
واللافت أن عائلات العسكريين المخطوفين في السجون السورية زارت أبناءها في مطلع تسعينات القرن الماضي، غالباً في سجن فلسطين السيء الصيت. بعدها، لم يُسمح لهذه العائلات بأي زيارات، وتبخر أثر أبنائها. أسماء هؤلاء المفقودين، وتواريخ زياراتهم في السجون السورية، موجودة على موقع الجمعية، وتقارير اخبارية منشورة على الانترنت، وبإمكان مسؤولي العهد الإطلاع عليها.
لماذا لا يكون كشف مصير مفقودي 13 تشرين الأول عام 1990 وغيرهم في السجون السورية مدخلاً أو شرطاً قبل أي تطبيع ولقاءات متبادلة مثل ذاك الذي جمع وزيري الخارجية اللبناني جبران باسيل والسوري وليد المعلم؟
والغريب أن هذا الملف ليس بعيداً عن الحل في ظل نفوذ ومونة ”حزب الله“، حليف العهد، على النظام السوري. قبل شهر تقريباً، كشف الأمين العام لـ”حزب الله“ حسن نصر الله عن زيارة له إلى دمشق لإقناع الأسد بعملية مرور عناصر داعش في الأراضي السورية باتجاه مناطق سيطرة التنظيم. بحسب نصر الله، ”قال الأسد إن هذا الموضوع سيُحرجني ولكن لا مشكلة، وتحملت القيادة السورية هذا الحرج من أجل لبنان وليس من أجل سوريا“. النظام السوري مستعد اليوم لقبول بعض الحرج ”من أجل لبنان“، فلماذا لا يُزعجه حليفه مجدداً بقضية مهمة مثل مئات المفقودين، سيما في ذكرى مهمة مثل هذه.
يفصل بين هزيمة 13 تشرين الأول عام 1990، وعودة الجنرال الى القصر قبل أقل من عام، سنوات منفى في باريس الساحرة، ومئات المخفيين في سجون الأسد حيث التعذيب الوحشي.
ألا يستأهل الوفاء لذكراهم بعض الإحراج؟
المصدر : مهند الحاج علي – المدن