تحت المجهر

لماذا يكيل اللبنانيون الشتائم لجبران باسيل أكثر من غيره؟

هيفاء زعيتر – رصيف 22

يبدو أن “الهيلا هيلا هيلا هو… جبران باسيل ** أمو” ستبقى في ذاكرة اللبنانيين وعلى ألسنتهم وقتاً طويلاً.

علت في ساحات التظاهر، غزت مواقع التواصل، تحولت إلى سيمفونية فنية، وإلى رسوم متحركة، حتى أن البعض اشتكى ساخراً من احتلالها رأسه في ساعات الليل والنهار، واستظرف آخرون فكرة تحويلها إلى نشيد رسمي.

ارتفعت أصوات كثيرة تنادي بتجنيب أمّ باسيل الشتيمة الذكورية، لكنها أصوات سرعان ما خفتت بوجه هدير الـ”هيلا هو” الذي بات علامة فارقة في الانتفاضة الحالية.

صحيح أن “كلن يعني كلن” كان الشعار الأبرز في التظاهرات التي استحضرت أسماء زعماء السياسة والطوائف في سياق رفض استمرارها في السلطة، لكن نسبة الشتائم الكبرى حازها وزير الخارجية جبران باسيل، وطاب للكثيرين التندر بأنه “دخل موسوعة غينيس عن فئة أكثر وزير تم شتمه في يوم واحد”.

بموازاة شتائم المتظاهرين، ظهرت حالات تململ في صفوف “كلن يعني كلن” من باسيل، فمثلاً رئيس “تيار المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية نصح رئيس الجمهورية بـ”التضحية به”، ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط وصفه بـ”رمز الاستبداد”.

ولكن ما الذي يجعل باسيل الأكثر استفزازاً للشارع؟ في استطلاع لآراء من جهات متنوعة، يُسمع أنه “سمج”، “ثقيل الدم”، “مستفز”، “لا يُهضم”… في حين قد يحتاج التعمق في السؤال تفنيد الوجوه الباسيلية تحت عناوين فرعية، أبرزها التسلق داخل “التيار الوطني الحر”، والأداء في الوزارات المختلفة، والخطاب العنصري، وتركيبة الشخصية نفسها.

اللبنانيون غاضبون… ومستقبل الحراك يحدده سؤال: “ممَّن نغضب”؟

أنا لاجئة فلسطينية وُلدت في لبنان.. فكيف أتجرّأ أن أحلم؟

الثنائية الشيعية تتحد في مواجهة “المحرومين”

“هبوط مظلي… وتسلق”
في سؤال وجّهه رصيف22 لمجموعة من الشباب ذوي توجهات مختلفة، تشابهت الإجابات في ما يتعلق بباسيل داخل التيار.

يقول علي إن الكره لباسيل لديه بدأ مع تولي الأخير رئاسة “التيار الوطني الحر”، فعدا كونه صهر رئيس الجمهورية، لا يمكن تجاهل تزكيته الأقرب إلى الفرض على رأس التيار.

ويلفت محمد بدوره إلى أن باسيل متسلق على السلطة بفعل المصاهرة مستعملاً الهالة الخاصة بعمه الجنرال، أما الأكثر استفزازاً فهو تجاوزه مناضلي التيار التاريخيين.

وكان باسيل قد فاز مطلع أيلول/ سبتمبر برئاسة “التيار الوطني الحر” بالتزكية، لولاية ثانية، بعدما كان قد تولى رئاسته عند انتخاب عون رئيساً للجمهورية قبل أربع سنوات، وهو ما لقي حينذاك ردود فعل مستنكرة من بعض الكوادر الداخلية.

وفي وقت سابق، كانت قد وُجّهت اتهامات عديدة لباسيل بأنه يغلّب كفّة رجال الأعمال على كفّة المناضلين في التيار.

“هيلا هيلا هيلا هو… جبران باسيل *****”، عبارة علت في ساحات التظاهر، غزت مواقع التواصل، تحولت إلى سيمفونية فنية… هنا جردة حساب تبحث عن سبب استفزاز باسيل للشارع اللبناني، ولماذا يتلقى كل هذا الكم من الشتائم؟
ما الذي يجعل باسيل الأكثر استفزازاً للشارع؟ استطلاع لآراء من جهات متنوعة، فنّدت الجوانب الباسيلية “المستفزة”، داخل تياره وفي خطابه وفي الوزارات التي تولاها وحتى في تركيبة شخصيته نفسها
وخلال الحديث مع جاد حول هذه النقطة، يصف وصول باسيل إلى التيار بالهبوط المظلي، فمن كانوا قبل 2005 يعرفونه بالاسم عن بعيد من دون أن يكون له أية صفة قيادية، وعند عودة عون سقط عليهم من فوق. وعليه، حسب جاد، يرون أنه “لا يستحق الموقع الذي هو فيه، فلماذا يتولى موقعاً قيادياً ويفرض رأيه؟”.

يذكر جاد أن باسيل شارك سابقاً في تظاهرات واعتُقل مرتين، لكنه كان على هامش تلك التظاهرات، وعندما وصل إلى رئاسة الحزب مارس مسؤولياته الحزبية والسياسية وفق سياسة تطويع الناس، على مبدأ “معه أو ضده، أو أن تكون ′زلمته′ أو يتم عزلك عن المحيط”.

اتصالات وطاقة وخارجية… و”شراهة”
في السيرة الذاتية لباسيل ثلاث وزارات، الأولى الاتصالات عام 2008، والثانية الطاقة والمياه عام 2010، والثالثة الخارجية والمغتربين.

وفي سيرة أدائه الوزاري مجموعة من الإخفاقات. ليس الوحيد في ذلك، لكن، حسب علي، كانت وعود الوزير الشاب كثيرة وفشله كبيراً، أما حجته الدائمة فهي أنه يقوم بعمله على أكمل وجه لكن الآخرين يعرقلونه.

ويقول علي: “يرمي فشله على غيره بشكل متواصل وهذا مستفز”، مشيراً بموازاة ذلك إلى مواقفه في وزارة الخارجية: “الآن بوجوده في وزارة الخارجية، ظهرت آراؤه متقلبة لكسب رضى كل الأطراف، وهو ما يدل على سلوكه الوصولي”.

تستعيد زينة ما قاله عن إسرائيل في إحدى المقابلات وعدم شفافيته في العداء لها، ومن ثم تودده الدائم لأمريكا، مقابل ما حُكي أخيراً عن زيارته لسوريا والمواقف التي “يبيعها” لـ”حزب الله” عند كل مناسبة.

أما برأي محمد، فإن أداء باسيل في التيار وفي السلطة عموماً يشير إلى أنه من قماشة السياسيين الذين لا يوحون بـ”الثقة” في العمل السياسي، والسياسي غير الموثوق به لا يمكن أن يدير مشروعاً سياسياً بعيد الأمد.

يلفت محمد كذلك إلى طبيعة خطاب باسيل تجاه الأحزاب الأخرى فهو “فوقي ومستفز، يشيطن الخصم ويدعي الملائكية”.

ويقول: “بعد استلام باسيل السلطة تفرد بالسيطرة على المواقع التي يتولاها مسيحيون في الدولة، كما ضرب عمل المؤسسات وعطل مراسيم الناجحين في مجلس الخدمة المدنية ومن ثم خسر الفئة التي تؤمن بالدولة وبالعمل المؤسساتي وبمعيار الكفاءة”.

من جهته، يرى جورج أن باسيل على استعداد أن يعطّل البلد كله حتى تسير الأمور على هواه، بينما الأكثر استفزازاً بنظره هو أنه “اعتبر، بكل وقاحة، أن الثورة في الشوارع حالياً داعمة له”.

وفي إطار الأداء الوزاري، تحضر كذلك الأخبار حول تعامله مع الدبلوماسيين والموظفين في وزارة الخارجية. وكانت جريدة “الأخبار” قد نشرت في أيار/ مايو الماضي ملفاً بعنوان “باسيل يهين دبلوماسيي لبنان”، بعد أن سمح لجهاز أمني باقتحام إدارة رسمية لإجراء تحقيق مع موظفين إداريين، وجرّد ستة دبلوماسيين وموظفاً إدارياً من حصانتهم، لكشف مُسرّب ثلاثة تقارير دبلوماسية إلى الصحافة.

وتخرج شكاوى متفرقة منذ استلام باسيل الوزارة تتعلق بتعامله الفوقي مع دبلوماسيين، والاستنسابي مع السفارات المنتشرة في العالم.

الخطاب العنصري وتضخم الأنا
تبدو شتائم الساحات اليوم جردة حساب لباسيل نتيجة تغريدات له عنصرية وتصريحات نارية وشخصيته المتضخمة.

تقول عبير إن الشتائم التي تُكال لباسيل بهذا الحجم بدأت تستفزها، ليس لأنها تحبه بل لأن هناك من هو أسوأ منه في الحكم. مع ذلك، تعتبر أن الأمر مفهوم، لأن باسيل “استفزازي وحاد وعدائي مع من يحبه ومع من لا يحبه”.

وترى أن كارهيه موزعون لدى جميع الأطياف، منهم العوني المتحمس للعهد، والعوني السابق الذي ترك التيار بسببه، ومنهم من هو مع “القوات” و”المردة” و”أمل” و”المستقبل”، بينما المجموعة الوحيدة التي لا تتكلم عنه بشكل سلبي في العلن هي “حزب الله”.

“الهجوم عليه له مدخلان، الأول هو حرب على رئاسة الجمهورية الذي كان′الصهر ′ مرشحاً لها بعد عون، والثاني له علاقة بحزب الله إذ أن إضعاف باسيل هو طريق لإضعاف الحزب”.
وفي إطار العلاقة مع “حزب الله” يعتبر عبد الله بدوره أن باسيل يُعوَّم كأقوى رجل في البلد، لديه أكبر كتلة، وأكبر عدد وزراء، فضلاً عن رئاسة الجمهورية.

برأي عبدالله، الهجوم على باسيل له مدخلان: “الأول هو حرب على رئاسة الجمهورية الذي كان ′الصهر′ مرشحاً لها بعد عون، والثاني له علاقة بحزب الله إذ أن إضعاف باسيل هو طريق لإضعاف الحزب، لأن الشرعية التقنية التي أُعطيت لحزب الله في الانتخابات كان باسيل وراءها”.

وبرأي عبدالله، لم يشهد البلد في تاريخه شخصية استفزازية مثل شخصية باسيل، كما أن لديه مشروعاً نهماً للحشد المذهبي، ولم يوفر خلال فترة حضوره على الساحة السياسية شيئاً من المذهبية والابتذال.

وهنا يقول محمد إن خطاب باسيل فئوي ويعبر عن عدم احترامه جميع اللبنانيين، فيصنفهم درجة أولى وثانية وثالثة، وقد استخدم الخطاب الطائفي والعنصري كرافعة لمشروعه السياسي.

وهو ما يوافق عليه جورج معتبراً أن “جبران فخور بخطابه العنصري والطائفي، وبالتحريض على الآخر”، مذكراً بأن أكثر من 40 دعوى تقدم بها ضد أشخاص هاجموه، مستغلاً سلطته، وبأن أسوأ عهد لحرية التعبير شهده لبنان كان بسببه.

وفي مناسبات عدة، أثارت تصريحات باسيل وتغريداته الجدل، بسبب موقفه العنصري.

قبل أشهر قليلة، قال في “مؤتمر الطاقة الاغترابية” (ولولع باسيل بالمغتربين و”الانتشار” قصة أخرى) ما مفاده: “لقد كرّسنا مفهوماً لانتمائنا اللبناني، هو فوق أي انتماء آخر، وقلنا إنه جينيّ وهو التفسير الوحيد لتشابهنا وتمايزنا معاً، لتحملنا وتأقلمنا معاً، لمرونتنا وصلابتنا معاً، ولقدرتنا على الدمج والاندماج معاً من جهة وعلى رفض النزوح واللجوء معاً من جهة أخرى”.

عاب كثر على باسيل حديثه عن “تفوّق الانتماء على معيار جيني”، وخطابه العنصري تجاه اللاجئين، كما عمدت مجموعة من الجمعيات الأهلية للتقدم بدعوى ضده بتهمة “إثارة النعرات”.

فوق ما سبق، يبقى أن “كاريزما باسيل معدومة”، حسب جاد الذي يشبه وزير الخارجية بالصورة النمطية للتلميذ الذي يود أن يثبت طوال الوقت أنه الأول في صفه، يشي برفاقه، لا يرغب في مساعدتهم ويحجب ورقته عنهم أثناء الامتحان.

يقول جاد: “قد يكون متاحاً كره هذا التلميذ والابتعاد عنه في الصف، لكن المفارقة أن ′التلميذ المجتهد′ بات يمتلك سلاحاً، صار أقوى من البقية وبات الجميع مجبراً على الاستماع له وتقديم فروض الطاعة”، ومع بدء الانتفاضة بدا أنه الأكثر استحقاقاً لـ”الهيلا هيلا هو”.

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button