ماذا ينتظر لبنان بعد فتح المصارف أبوابها؟
أما وقد أقدم رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري على الاستقالة بعد 13 يوماً من الاحتجاجات الشعبية المنادية بإسقاط السلطة، وبعد مرور 14 يوماً على قرار جمعية مصارف لبنان إقفال المصارف في انتظار استئناف العمل يوم الجمعة المقبل (وفق بيان صادر عن الجمعية)، لا يقف السؤال اليوم في لبنان عند المرحلة السياسية التي ستشهدها البلاد غداة الاستقالة، في بعديها الدستوري والسياسي، إنما في الآفاق الاقتصادية والمالية الغامضة، بفعل المخاطر العالية الضاغطة على الاقتصاد والنقد والمالية العامة على السواء.
تأجيل يطرح تساؤلات
وفي حين كشفت معلومات، الثلاثاء، عن إبلاغ الحريري من التقاهم في إطار الاتصالات والمشاورات الجارية، استعداده لتولي رئاسة الحكومة العتيدة، مشترطاً أن تكون طبيعتها من الوزراء التكنوقراط، لم يحدد رئيس الجمهورية ميشال عون موعد الاستشارات النيابية الملزمة، بعد تكليفه رئيس الحكومة المستقيل بتصريف الأعمال، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الأسباب الكامنة وراء تأخير الاستشارات، في ظل ظروف اقتصادية ومالية خانقة.
للخطوة حسابات سياسية تدخل في إطار إفساح المجال أمام فريق العهد لأن يقرأ جيداً في خلفيات الاستقالة وشروط الحكومة الجديدة ومن يرأسها، خصوصاً أن شرط الحريري العودة إلى رئاسة الحكومة عبر فريق وزاري من الاختصاصيين، لا يلاقي شرط رئيس الجمهورية بربط بقاء الحريري على رأس السلطة التنفيذية مع بقاء رئيس التيار الوطني الحر الوزير السابق جبران باسيل داخلها، وإلا فالخروج من السلطة سيشمل الاثنين معاً.
لكن هذا التريث ستكون له ارتدادات سلبية على الوضعين المالي والاقتصادي، في ظل الحاجة القصوى إلى صدمة إيجابية يحدثها تكليف شخصية جديدة كانت أو الحريري نفسه تشكيل الحكومة، بما يوجه إشارات إيجابية حيال جدية السلطات بالتعاطي بمسؤولية مع الملف الحكومي، خصوصاً أن ثمة حاجة ملحة إلى مثل هكذا إشارات تطمئن الأسواق وتبعد شبح الانهيار الذي يظلّل البلاد مع استئناف الحركة المصرفية والمالية يوم الجمعة.
فالارتدادات السلبية التي شهدتها الأسواق بفعل ارتفاع أسعار المنتجات بنسبة تراوحت بين 25 و35 في المئة وفقاً لنسبة ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة، من خارج السعر الرسمي، تجعل الوضع المالي هاجساً أساسياً في ظل ترقب المؤسسات الدولية ووكالات التصنيف لما ستؤول إليه رزمة الإصلاحات التي أقرتها الحكومة المستقيلة، بعدما تحوّلت إلى تصريف الأعمال، فيما سيكون متعذراً على المجلس النيابي المضي في تشريع مشاريع القوانين التي أُقرّت في الورقة الاقتصادية، أو مشروع موازنة عام 2020، علماً أن خبراء اقتصاديين يشككون في أن يبقى مشروع الموازنة على حاله، ذلك أن المجلس النيابي لن يدرس مشروعاً أقرته حكومة مستقيلة، وأن الحكومة العتيدة ستعيد سحب المشروع، وربما المشاريع الأخرى لدراستها وإقرارها مجدداً وفق رؤيتها الاقتصادية والمالية.
المصارف: لا داع للخوف
أما على الضفة المصرفية، وبعد أسبوعين من الإقفال، ستكون المصارف أمام تحديات تلبية طلبات زبائنها المجمدة طيلة هذه المدة، في مجال التحويلات والسحوبات خصوصاً. وعُلم أن هذا الأمر شكّل محور اجتماعات مجلس إدارة جمعية المصارف، فضلاً عن اجتماعات مع حاكم المصرف المركزي رياض سلامة من أجل البحث في الآليات التي ستساعد في تدارك ضغط الإقبال على المصارف، بما يحول دون تهديد العملة الوطنية، أو احتياطات المصرف المركزي من الدولار بفعل أي حركة استثنائية يمكن أن تمتص جزءًا من هذا الاحتياط.
ويذكر الخبراء، على الرغم من اختلاف الظروف، باستقالة الحريري من الرياض في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، التي أدت إلى خروج نحو 3 مليارات دولار من القطاع المصرفي.
وفي تقرير لوكالة ” بلومبيرغ”، أسئلة حول قدرة المصارف على تلبية طلبات زبائنها الراغبين في تحويل أموالهم إلى الخارج، مشيرة إلى أن خبراء اقتصاديين محليين دقوا ناقوس الخطر، داعين إلى وضع سقوف على التحويلات إلى خارج البلاد، فيما قال مصرفيان رفضا الكشف عن اسميهما إن الخطوة المقبلة ستكون عبر إجراءات طارئة، في ظل غياب أي أفق لحل سياسي قريب. وهكذا تصبح القيود على التحويلات الحل المتبقي.
استحقاقات ديون لبنان تقترب والمخاطر ترتفع
ولا تخفي مصادر مصرفية في المقابل خشيتها من الطلب الكثيف الذي بدأ يتبلور من الزبائن للتحويل إلى الخارج، بسبب عدم وجود قدرة لدى المصارف على تلبية هذه الطلبات. من هنا، لا تستبعد المصادر أن يكون الذهاب إلى قرار وضع قيود على السحوبات وعلى التحويلات قراراً قسرياً، ستُضطر المصارف إلى اللجوء إليه.
إلاّ أنّ مراجع مصرفية بارزة استغربت في المقابل استسهال الكلام الحاصل حول فرض قيود على التحويلات، مشيرةً إلى أنّ مثل هذا الكلام مضر جداً ليس بالنسبة إلى المصارف التي تتمتع بملاءة جيدة وسمعة ومكانة دوليتين، وأسهمت في دعم الدولة والاقتصاد، إنما بالنسبة إلى المودعين أيضاً. وقالت إن المرحلة الدقيقة التي يمر فيها لبنان تتطلب وعياً وتحملاً للمسؤولية لحماية أموال المودعين، وليس ذَر الشائعات التي تضرب الثقة.
وكشفت عن أن المصارف قد تلجأ إلى بعض التشدد في عملية السحوبات لفترة مؤقتة في انتظار أن تستقر الأوضاع، وذلك لمنع حصول حال من الذعر، ثمة من يدفع في اتجاهها في إطار الاستهداف الممنهج لمصارف لبنان.
ولم تستبعد المراجع أن يتوقف رئيس الجمهورية في خطابه إلى اللبنانيين عند هذا الموضوع، بهدف بث الطمأنينة حيال هذه المسألة الحساسة والدقيقة.
المصدر : اندبندنت