دفاع وأمن

“حروب الدرونز”…

مِنْ استخدامها من قِبل التنظيمات الإرهابيَّة بسوريا والعرق وليبيا، مروراً بدخولها ساحة التوتر بين إسرائيل وجوارها العربي، وصولاً إلى استحواذ أذرع إيران بالمنطقة على تكنولوجيتها “قليلة التكلفة وشديدة التأثير في إصابة الهدف”، وفق مراقبين أمنيين، باتت الطائرات المسيَّرة أو ما يعرف بـ”الدرونز”، رقماً في معادلة الصراعات والتوازنات الاستراتيجيَّة في توترات الشرق الأوسط.

وخلال الهجمات الإرهابيَّة الأخيرة التي طالت حقلي بقيق وخريص النفطيين السعوديين السبت الماضي الـ14 من سبتمبر (أيلول)، في “أكبر هجوم استهدف صناعة النفط العالمي منذ حرب الخليج الأول”، حسب تعبير صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانيَّة، عادت “الدرونز” بقوة إلى المشهد ملقيَّة بظلالها على المشهد الأمني وصراعات المنطقة ومدى انعكاسها على خريطة التوازنات الإقليميَّة، لا سيما مع تمكّنها من اختراق الأنظمة العسكريَّة التقليديَّة، وتفوّقها عليها في بعض الأحيان، مع بروز المخاوف بتصاعد الهجمات الإرهابيَّة وتنفيذ الاعتداءات بشكل “خفي” في أشكال الحروب الحديثة.

ما الدرونز؟

وفق التقارير الأمنيَّة والعسكريَّة المتخصصة، فإن الطائرات من دون طيار أو الطائرات المسيَّرة أو ما يعرف بـ”الدرونز”، هي أسماء تُطلق على طائرات صغيرة الحكم يُتحكّم فيها عن بعد، واُستخدمت في البدايَّة لأغراض بحثيَّة وعلميَّة وبيئيَّة، إلا أنها سرعان ما اُستخدمت لأغراض عسكريَّة، سواء تجسس أو تصوير منشآت، وأخيراً حملت متفجرات بغرض استهداف القوات والمنشآت، وتنفيذ اعتداءات وهجمات.

ووفق الدراسات المعنيَّة، ظهر أول هذه الأنواع من الطائرات المسيَّرة للمرة الأولى في بريطانيا عام 1917، واستمرت عدة عقود تستخدم بصفتها طائرة انتحاريَّة تتصدى لطائرات معاديَّة، حتى استخدمها كل من الولايات المتحدة وألمانيا في الحرب العالميَّة الأولى، ثم لحق بهما الاتحاد السوفييتي في ثلاثينيات القرن الماضي.

وأتاحت الحرب العالميَّة الثانيَّة (1939 – 1945)، والحرب الكوريَّة (1950 – 1953)، المجال لاستخدامها من قبل القوات الأميركيَّة في الأغراض التدريبيَّة، وكصواريخ موجهة، وفي التصدي للطائرات الحربيَّة المأهولة بالطيارين، إلى أن تطوَّر دورها ليشمل المجال الاستخباري الذي برز بعد حرب فيتنام (1955 – 1975)، في حين زوَّدت للمرة الأولى بالصواريخ في الهجوم على كوسوفا عام 1999.

في السنوات الأخيرة باتت سلاحاً رئيساً، لا سيما بمنطقة الشرق الأوسط، للتنظيمات والقوى العسكريَّة، لكن اختلف استخدامها بين ما هو مشروع، وما هو غير مشروع.

يقول موقع “أرمي تكنولوجي”، المعنيُّ بتطور التكنولوجيا العسكريَّة، “الطائرات من دون طيار تتكوّن من جزأين: الأول الطائرة، والثاني وحدة التحكم الأرضي، وتكون كل وسائل الاستشعار والملاحة الجويَّة والاتصال اللا سلكي مثبتةً في مقدمة الطائرة، بينما بقيَّة التقنيات في بقيَّة جسم الطائرة، التي لا يوجد بها مكان مخصص للبشر”.

ويضيف “يُجرى التحكم في طائرات الدرون المتطورة عبر نظام الطيران الآلي، بينما يجلس طيارٌ فعليٌّ حقيقيٌّ في مركز القيادة والسيطرة، وهو الذي يحدد المسار كما يقدّم المعلومة لتفادي الأخطار”.

2.jpg

فرضت الطائرات المسيرة نفسها وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من قائمة الجيوش الأكثر تطوراً إلى جانب الطائرات الحربيَّة (أ.ف.ب.)

ووفق الموقع ذاته، يوجد أكثر من نوع من الطائرات من دون طيار، أبرزها تلك المتحكم فيها عن بعد، إذ يقع التحكُّم في الطائرة عن بعد مثل: (إم كيو 1 بي) براديتور، ودرونز (إم كيو 9) ريبر، وكلتاهما أميركية. إضافة إلى الطائرات ذات التحكُّم الذاتي، التي تستعمل الذكاء الاصطناعي مثل (إكس 45) لشركة بوينغ، ويتمتع هذا النوع بذاتيَّة أكبر في اتخاذ القرارات ومعالجة البيانات.

ويتابع الموقع، “الطائرات ذاتها، تقسّم أيضاً حسب المَهمات التي تقوم بها، فمنها العسكريَّة المتخصصة في المراقبة، وهي الجزءُ الأكبر من هذه الطائرات، ومنها المقاتلة، ومنها ما يمكن استعمالها للغرضين”. موضحاً “استخدامها قلَّص من المخاطر والخسائر البشريَّة والماديَّة، إضافة إلى سهولة وسرعة حصولها على المعلومات مقارنة بالقوات العسكريَّة على الأرض، هذا فضلاً عن ميزاتها التكتيكيَّة والاستراتيجيَّة في مجالات الرصد والتعقب”.

ووفق تقرير لمجموعة “صافان” الأميركيَّة، فإن “الفكرة الرئيسة من وراء توسع استخدام (الدرونز) هو تحقيق إصابات مباشرة عن بعد من دون تعريض الجنود للخطر، إذ يمكنها وفق ما أدخل عليها من تكنولوجيا حديثة، التحليق المرتفع مع عدم معرفة الهدف بأنّه هو المستهدف مباشرة. كما ترتبط فكرة اللجوء إلى الدرونز أيضاً بكون تعرّضها للإصابة من قبل قوّات العدوّ لن يكون مكلفاً اقتصادياً”. مشيراً إلى أن “دخولها ساحات الصراع يضيف مزيداً من عناصر التعقيد إليها”.

“الدرونز” ومستقبل صراعات المنطقة

بعد حادثة الهجوم على (أرامكو) عملاق النفط السعودي وأكبر شركات النفط بالعالم، غيَّرت “الدرونز” معادلة الصراع وحدة التوترات بالمنطقة.

وحسب جيمس روجرز الأستاذ المساعد المتخصص في الدراسات الحربيَّة بجامعة جنوب الدنمارك فإن “انتشار تلك التكنولوجيات، الطائرات المسيَّرة بعيدة المدى وصواريخ كروز، يزيد فعلاً مدى الحرب. كما يزيد ذلك من قدرة الجاني على الإنكار”.

وهي الأخرى تقول صحيفة “الغارديان” البريطانيَّة، “الطائرات المسيَّرة الرخيصة الثمن غيّرت المعادلة بشكل واضح في منطقة الشرق الأوسط”، موضحة “خلال الأشهر الثلاثة الماضيَّة وحدها أحدثت الطائرات المسيَّرة تأثيراً كبيراً في ساحات التوتر بالعراق وسوريا ولبنان، وجاء آخرها تلك التي استهدفت حقلي بقيق وخريص السعوديين، الذي تسبب في خفض إنتاج السعوديَّة من النقط إلى النصف، وهو ما عادل 5% من إنتاج النفط العالمي بواقع 5.7 مليون برميل في اليوم”.

وحسب “الغارديان”، فإن الطائرات المسيَّرة أصبحت الآن “جزءاً لا يتجزأ من قائمة الجيوش الأكثر تطوراً في المنطقة، إلى جانب الطائرات الحربيَّة”. مشيرة إلى تحوّل الجيش الإسرائيلي باتجاه “توسيع استخدامه مثل هذا النوع من الطائرات في ضرب أهداف بسوريا ولبنان في الآونة الأخيرة”.

وحسب الصحيفة، فإن العامل الأساسي الذي دفع القادة إلى استخدام هذا النوع من السلاح هو “قدرته على تجنّب أجهزة الرادار، ومن ثم إنكار الاتهامات لهم بالوقوف خلفها، في محاولة لتجنب الحرب المفتوحة مع إيران”.

وعلى الجانب الإيراني، توضح “الغارديان”، أن متشددي طهران أدركوا في السنوات الأخيرة أهميَّة اقتناء مثل هذا النوع من الطائرات، ومن ضمنها نسخة أميركيَّة متطوّرة، بعد أن جلبت إلى أراضيها طائرة مسيَّرة أميركيَّة قبل سنوات أربع، مضيفةً “أذرع طهران بالمنطقة باتوا هم أيضاً يستخدمون هذه الطائرات المسيَّرة بشكل متزايد”، مشيرة إلى الهجمات الإرهابيَّة لميليشيا الحوثي المواليَّة إيران واستهداف أهداف حيويَّة واستراتيجيَّة لدى السعوديَّة لمسافة تصل إلى 700 كيلومتر، معتبرة أن “الهجمات الأخيرة على (أرامكو) بمثابة تحذير استراتيجي واضح بأن عصر تفوق الطائرات الحربيَّة انتهى، وهو ما يجب أن يؤخذ في الحسبان”.

وظهر في منتصف العام 2018 نوعٌ جديدٌ من طائرات الحوثيين المسيَّرة قالت الأمم المتحدة إن بإمكانه “الطيران لمسافة تتراوح بين 1200 و1500 كيلومتر”، الأمر الذي يجعل الرياض وأبو ظبي ودبي داخل مداه.

وجاء في دراسة لقوات ميليشيا الحوثيين أجراها مايكل نايتس من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى عام 2018 أن أوضح مثال على المساعدة الإيرانيَّة المباشرة في أسلحة الحوثيين المتطورة هو “الصاروخ الباليستي (بركان 2- أتش) متوسط المدى”.

هي الأخرى اعتبرت، صحيفة “فاينانشال تايمز”، أن الهجوم على منشآت النفط بالسعوديَّة يكشف مخاطر اندلاع حرب الطائرات المسيَّرة في الشرق الأوسط”. موضحة نقلاً عن مصدر عسكري قوله “مخاطر الطائرات المسيَّرة دفعت مؤسسات وعواصم إقليميَّة إلى البحث عن وسيلة لمواجهة هذا التحدي”، لا سيما أن، وفق المصدر العسكري، أنظمة الدفاع المضادة للطائرات المسيَّرة “باهظة الثمن، وتتطلب برامج تشويش جوي، وبرامج تحديد مواقع الطائرات، ثم صواريخ لتدميرها في الجو”.

يقول الخبراء “نصب هذه الأنظمة عمليَّة معقدة، ويصعب تجديدها مع التطور المستمر لتكنولوجيا هذه الطائرات، وما يمكن أن تفعله”.

ودائماً ما يحذر الخبراء الأمنيون من مغبة الاستغلال الخاطئ والمعادي لطائرات الدرونز وتزايد وقوعها في التنظيمات المسلحة والمتطرفة بالمنطقة، التي تمكّنها من استهداف مناطق حيويَّة في دولة ما أو ضد شخصيَّة سياسيَّة أو معارضة، أو حتى تنفيذ هجمات إرهابيَّة واسعة النطاق.

وفي هذا الشأن، توقَّع الباحث الأميركي ستيوارث راسل، “مستقبلاً قاتماً لدور الطائرات المسيَّرة، إذ يؤدي دمج التكنولوجيا والصناعات الحربيَّة إلى إنتاج أسلحة فتَّاكة وغير مسبوقة مثل (الدرون) بحجم العصافير الصغيرة”، مشيراً إلى أنها تكون “قادرة على شن هجوم مسلح غير قابل للصد أو الردع تماما”ً. معتبراً أن مهمة ملاحقته “شبه مستحيلة”، في ظل ضرورة وجود إمكانات عسكريَّة هائلة للتصدي إليه.

المصدر : اندبندنت

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى