هجوم “بقيق” ينهي مسرحية الوكلاء… ويضع إيران في عين العاصفة
نقل الهجوم على معامل بقيق وخريص، السبت الماضي، حالة التوتر في الخليج إلى مرحلة جديدة “غير مسبوقة” منذ اندلاع الأزمة، وفق بيان وزارة الخارجية السعودية، التي أكدت جاهزية البلاد للردّ بقوة.
لكن القدرات الفائقة للهجوم، الذي استهدف 19 نقطة في المعملين بدقة عالية، زادت قناعة العالم بأن الإيرانيين هم وحدهم بين أعداء السعودية القادرون على تنفيذ العدوان بالكيفية التي تم بها، بما رجّح معه محللون سياسيون وخبراء عسكريون أن ينهي فزاعة وكلاء إيران في اليمن الذين تبنوا العملية، أو العراقيين الذين تردّد أن الاستهداف ربما جاء من طرفهم، لتتوجه أصابع الاتهام مباشرة إلى إيران هذه المرة، والتي نفت علاقتها بالهجوم.
مفترق طرق
واعتبر مدير المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، الدكتور محمد السلمي، أن العدوان وضع العالم أجمع في مفترق طرق، ذلك أن “القضية خطرة جداً والاستهداف كبير للنفط السعودي، والضرر من ذلك ليس على السعودية وحدها، بل العالم كله. وجدنا أنه بعد الهجوم ارتفعت في يوم واحد أسعار النفط إلى نحو 20%، وبالتالي المتضرر في المقام الأول هو الاقتصاد العالمي، بخاصة أنه مقبل على مرحلة ركود”.
وبغض النظر عمن يكون منفّذ الهجوم، يعتقد السلمي، الخبير في الشأن الإيراني، أن الفاعل واحد، هو طهران، التي قال إن توحد العالم في مواجهتها ضروري “وإلا فإن فرص الركود الاقتصادي في العالم ستكون أكبر إن لم يكن هناك موقف دولي موحّد تجاه الاعتداء على أرامكو، وأيضاً الوقوف بقوة وصلابة ضد الإرهاب الإيراني، سواء من الحوثي أو الميليشيات الموجودة في العراق أو أيضاً النظام الإيراني، فبغض النظر عمن قام بهذا العمل، سواء إيران أو أدواتها، فإنه من المؤكد أن هناك معلومات دقيقة لدى الجهات الأميركية والسعودية عن كيفية وقوع الحادث على وجه الخصوص، وبالتالي يُفترض أن تظهر هذه النتائج بأسرع ما يمكن ويكون هناك ردة فعل مناسبة”.
الرد المختلف
ولا يرى الباحث السعودي أن الحرب وحدها الرد المناسب على العدوان، الذي قطع بأن إيران وراءه حتى وإن نسبته إلى الوكلاء، فإذا كان الهجوم بالفعل جاء من الأراضي العراقية فلدى السعودية والتحالف الدولي ضد الإرهاب وداعش “كل الحق وكل المبررات لإجهاض مثل هذه العمليات واستهداف الميليشيات الإيرانية داخل العراق وسوريا، والحوثي مجرد أداة في إيران”.
ومن دون الخوض في سيناريوهات يمكن أن تكون رداً على استهداف معامل بقيق وخريص، حيث نصف إنتاج النفط السعودي، يؤكد أن الأهم هو “التعاطي مع الهجوم الأخير بشكل مختلف تماماً يضمن عدم تكراره، وأيضاً إذا كان الهجوم تم فعلاً من الأراضي العراقية فعلى السلطات في بغداد أن تقوم بدورها أو تسمح للتحالف بضرب الميليشيات إن لم تكن قادرة على إيقافها”.
وكانت وزارة الخارجية السعودية نددت في بيان بالعملية، وأكدت أن التحقيقات الأولية أفادت بأنه تم استخدام أسلحة إيرانية في الهجمات والعمل جارٍ على التحقق من مصدر تلك الهجمات.
تحقيق دولي
وأكد البيان إدانة السعودية للاعتداء الذي “يهدّد السلم والأمن الدوليين، وتؤكد أن الهدف من هذا الهجوم موجه بالدرجة الأولى لإمدادات الطاقة العالمية، وهو امتداد للأعمال العدوانية السابقة التي تعرضت لها محطات الضخ لشركة أرامكو السعودية باستخدام أسلحة إيرانية”.
وقال البيان إن السعودية ستقوم بدعوة “خبراء دوليين ومن الأمم المتحدة للوقوف على الحقائق والمشاركة في التحقيقات، وستتخذ كافة الإجراءات المناسبة في ضوء ما تسفر عنه تلك التحقيقات، بما يكفل أمنها واستقرارها، وتؤكد بشدة أنها قادرة على الدفاع عن أراضيها وشعبها والرد بقوة على تلك الاعتداءات”.
يأتي ذلك في وقت قالت فيه شركة أرامكو المالكة للمعملين المستهدفين في كل من بقيق وخريص إنها تصدت للحرائق وبدأت في الوفاء بالتزاماتها، معربة عن امتنانها لمنسوبيها الذين لبوا نداءها، واستجابوا لحالة الطوارئ التي أعلنتها بعد العدوان.
وقالت “همة الوطن ومؤسساته من همة أبنائه وبناته الذين يعملون بتميز وتفانٍ. موظفو أرامكو السعودية هم خط الدفاع الأول للشركة. فشكراً لكل من يلبون نداء الواجب بمهنية وإخلاص”.
لم يبقَ إلا الحرب
في غضون ذلك، يرى الباحث السياسي، سعود البلوي، أن الضغوط على إيران استنفدت كلها، “ولم يبق إلا الحرب”، مرجحاً أن يكون الرد مزدوجاً، أميركي قاسٍ على إيران، وآخر من التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن على وكلاء طهران في صنعاء، ممن تتخذهم ذريعة للعبث في المنطقة.
ويتهم أحد الحسابات الوطنية المستعارة على “تويتر”، التي تعرف نفسها بالقرب من مصادر القرار، الأميركيين بالتغاضي عن الاستهداف مع إمكانهم اعتراض الطائرات المسيرة أو الصواريخ التي نفذته، رغبة في تأجيج الصراع بين الرياض وطهران مباشرة، على نحو ما جرى في حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران.
لكن أستاذ التاريخ السياسي في جامعة الملك سعود، الدكتور محمد التويجري، يعتبر أن الهجوم جاء في سياق نهج معروف عن النظام الإيراني “فمنذ سنوات استخدم نظام إيران الإرهاب باستمرار كأداة للابتزاز ولم يوقفه أبداً، وهم وحدهم العقل المدبر للهجوم الأخير على منشآت النفط في المنطقة الشرقية من السعودية السبت الماضي، و يثبت حقيقة أن الإرهاب مؤسس داخل هذا النظام”.
التاريخ يدين إيران
أما تاريخيا، فإيران “هي الدولة الرائدة في العالم في رعاية الإرهاب، وتسليح حزب الله ودعمه، والمتمردين الحوثيين في اليمن، حيث يستخدم الحرس الثوري الإيراني لارتكاب أعمال إرهابية في جميع أنحاء العالم، من آسيا إلى أوروبا إلى الولايات المتحدة، لممارسة الضغط على الحكومات الغربية لمتابعة سياسة الاسترضاء. من هذا المنطلق، لا يخفى على أحد الدور التخريبي والتدميري الذي تلعبه إيران في اليمن، من خلال دعمها لمليشيات الحوثي منذ بداية التحالف العربي لاسترجاع الشرعية في اليمن 2015، لذلك عمدت إيران مرارا وتكرارا إلى تزويد جماعة الحوثي اليمينة بصواريخ بالستية وطائرات بلا طيار لمهاجمة الرياض، ولكن عندما عجزوا، كان الهجوم الإرهابي مساء السبت هو الأخطر من نوعه، منذ انطلاق عاصفة الحزم”.
وتنفي إيران التهم الموجهة لها بدعم الإرهاب والمتمردين في اليمن عسكرياً، قبل أن تعلن ذلك رسمياً بعد استقبال المرشد علي خامنئي وفد جماعة أنصار الله (الحوثي) واعتماد سفير لهم في إيران، فكانت الدولة الوحيدة التي خرجت عن الإجماع الدولي باعتبارهم جماعة متمردة. ولا يعترف المجتمع الدولي إلا بحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي. كما تأوي منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول) قيادات تنظيم القاعدة وعائلاتهم.
ويشير التويجري إلى أن النظام الإيراني درج على محاولة تمويه أفعاله من خلال استخدام الدبلوماسية والاعتماد على الذاكرة القصيرة والمضللة للرأي العام الدولي، لكن إذا أردنا أن نفهم النظام الإيراني “يجب علينا أن ننظر إلى ما يفعله، وليس فقط أقواله، وأن نسأل أنفسنا عما إذا كانت أعماله متوافقة ليس فقط مع الأعراف الدبلوماسية، ولكن الأهم من ذلك مع القوانين الدولية”.
الفاعل والمستفيد
من الجانب العسكري، يرجح المحلل العسكري العميد حمود الرويس أن بعد المسافة التي تقدر بنحو 1200 كيلومتر بين المحطة المستهدفة وشمال اليمن، إلى جانب دقة الاستهداف، تؤكد هذه المرة أن “إيران هي الفاعل والمستفيد”.
ولفت إلى أن العدوان واضح في سياقه والجميع يفهم ذلك، فبعد “انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الاتفاق النووي وتصفير النفط الإيراني توعدت القيادة الإيرانية بمنع تصدير نفط منطقة الخليج، فأعقب هذا التهديد تفجير لأربع ناقلات نفط قبالة المياه الدولية للإمارات، ثم تفجير ناقلتي نفط قبالة سواحل عمان، ثم استهداف لمحطتي الضخ في كل من عفيف والدوادمي. والمتتبع لطريقة تنفيذ هذه الأعمال التخريبية والمعدات المستخدمة فيها يتيقن أن هذه القدرات والإمكانات تفوق ما لدى الميليشيات الحوثية حتى وإن تبنتها”.
وأضاف “أيضا في الاعتداء على منشآت النفط في بقيق وخريص، والتي تبعد جغرافيا عن منطقة صعدة في شمال اليمن 1200 كلم، وهذه دلالة على أن وصول طائرات من دون طيار من اليمن أمر مستبعد. كمية المتفجرات ودقة التوجيه وتحديد الأهداف كلها تؤكد أن هذه العمليات خلفها دولة. وبعد أن أكدت التحقيقات الأولية أن السلاح المستخدم في العملية سلاح إيران، وفي هذه المنطقة التي لا يوجد بها من في مصلحته تعطيل إمدادات النفط إلا إيران التي تمتلك هذه الصواريخ ولديها الإمكانات البشرية للتخطيط والتنفيذ. كل هذه مؤشرات تؤكد أن الفاعل دولة تريد إيقاف النفط الخليجي وإدخال العالم في أزمة، للنظر في العقوبات المفروضة عليها. فكانت إيران هي الفاعل والمستفيد”.
اندبندنت