هجرة إلى معراب (بقلم عمر سعيد)
الناس على دين ملوكهم يا معراب..
وفيك ملك لا يظلم عنده أحد، لذا هاجرت إليك ..
فقد آذتني قريش ، وكادت تقصيني عن المحبة والإنسان ، وما أشبه الجاهلية باليوم.
هاجرت إليك ، إلى شهداءٍ ؛ حضروا وقوفاً ، وقد جلس الأحياء كلهم.
حضروا ريحاً ترفرف الرايات البيض
نغماً يهز أوتارَ الحناجرِ صلاة
ملائكةً في ثيابِ الرهبانِ السوداءِ والبيضاءِ تقدس الله والإنسان
هتافَ حياةٍ في أصواتٍ مؤمنة.
حضروا زمناً أبدياً في أسمائهم فوق جدار أبيض، يمتد على مساحة القلوب المحبة.
حضروا جميعاً وكان الله أول الحاضرين..
وبسط سنديانُك أوراقَه أكفاً ؛ تؤمِّنُ بعد كل حَمْدٍ وتسبيح ، يتلوكِ تميمة ، تعيدُ لكلّ عاشقٍ حبيبَه.
وقفنا جميعاً مهاجرون وأنصار ، وقد خلعنا عنا أبا لهب وأبا جهل وكل مسيح كذاب، وما ارتدينا سوى الله والوطن.
و وقفتِ أنتِ يا معراب كنيسة ، حجارتها عظامُ آلافِ الشهداء، وكمْ حارَ البناؤن !
عادوا جميعهم صلباناً ، يسيلُ فوقَ خشبِها دمٌ يشتعلُ فرحاً.
هناك وقفنا جميعاً على فوهاتِ الحزنِ ننتظرُ إطلالةَ الحلمِ الفرح .
فابتسمتُ مرة وبكيتُ مرات ..
بكيتُ، وقد لمحتُ أسى دمعٍ في عيون الأمهات، يتركُ علاماتِه الفارقة ..
بكيتُ لقوافلِ القادمين من السماءِ؛ تفتشُ عن بقايا حضورِها في الأرضِ والوجوه..
يلوحون لنا بمناديلَ من حبٍ ونور ..
الله يا معراب ما اعذب الدمع والحب والصدق والكلِم والرفاق فيك .
حتى الجراح فيك عَذُبَتْ، إذ توهجت حُمرة خلت من كل أنين.
وكان الكلامُ سلامَ الله فينا .
معراب يا سُلَّمَ سمائنا الضوئي إلى الخلود ، يا واديَ النورِ ، يباهي ألقُه وهجَ الصباح .
دومي لنا وفينا يثربَ ، تُقْصي عنا سياط أمية، تسلخ جلد بلال ، وبلال فينا يردد : وطن واحد وطن واحد.
أنتِ رجاؤنا وخلاصُنا وصبرُنا..
فأعظمُ الصبرِ صبرٌ يعصمُنا من الفرار .
و أنا من الذين أقسموا ألا أهاجرَ أبعد من معراب.
عمر سعيد
ملاحظة :
هجرة المسلمين الأولى كانت إلى الحبشة.
وأمية سيد من قريش كان يملك بلال الحبشي قبل الإسلام.
يثرب هي المدينة المنورة التي هاجر إليها الرسول ومن معه حين اشتدى عليه أذى قريش .