إن الذين يحبون ، لا يفرون. (بقلم عمر سعيد)
وتسلقت جبل معراب العنيد مستغفراً ، وقد حملت في رئتي وطناً يضج بالأمل ، فلا شيء ينبت في أيلول كما الشهادة..
حضر الشهداء وحضر ذووهم بكل ما يوجع (بقلوبهم ودموعهم ، وصمتهم، وأحزانهم التي ما عاد يسعها الاحتباس)..
حضروا يعدون أعمار موتى ” ما راحوا ” ، فهم بيننا ، لكنهم يسكنون السماء. فاجمل الموت موت بلا أخطاء.
يقال : إن الأحجار الكريمة بقايا عظام الشهداء.
لذلك تعلقهم السماء قلائد فوق صدور الليالي العصية ، فالشهيد يعصم أهله من الدنيّة.
في معراب ، وفي الأول من أيلول ، كانت السماء أقرب من سواها ، وقد أدنيت إلى معراب بدموع أحبة الشهادة ، يدخلونها دون اغتسال ، وهم على وضوء دائم لا يُنْتَقَض ، فلا شيء يشبه التطهر بدموع أمهات في حناجرهن بكاء خالد الإشتعال .
وراح كل حيًّ ينسل من روحه شهيدا، فغص المكان بالشهداء ، ومالت الأرض كلها صوب معراب ، و اتحدت مع السماء في عناق أحمر يليق بالوجع الطويل ، وراح الصمت يضخ كل حزن في دماء الملتقين .
وحَلَتْ أفواه بأذكار الوفاء ..
وتظلَّلَ الحب بغيمة من بخور أجسادٍ نقية .
” الله أكبر ”
كَبَّرتها في جوف أجراس النداء ، وقد لبت ألوفٌ نداء صلاة للحياة ، تهتف:
” وحده الشهيد بعد الله على صواب..”
فهذي الأرض من صنع الشهداء لا من صنعكم.
وكل الذين جابهوا بلحمهم سكاكين الغزاة ، إنما حاولوا ألا يموتوا بلا وطن ، وقد كان كل ذنبهم انهم أشهروا وطنهم في وجوه المحتلين .
وقد أدركوا أن الموت يغدو موتاً إذا خلت أرض من دماء الشهداء .
لا خوف بعدكم على وطني ، فذاك التمزق الموجع قد ركزتم به ألف الف صليب مشطوب .
ولا أرض أصلب وأخصب من أرض تخضبت بدم تسرب عن الصليب.
هنا الشهيد ، هنا معراب ، هنا الوطن ..
وألف مسيلمة هناك .. يعلن الردة ، يحرض الناس على الوطن .
فكل الدماء تحرض الأوطان على الحقد ، إلا دم الشهادة ، يحرض المؤمنين على الضوء والحب والحياة.
فما مات من يحمل فجراً في دمه ،
وأجمل الموت موت يعصمنا عن الموت.
عمر سعيد.