التغريب في جسد المألوف (بقلم عمر سعيد)
كما يلد الإبداع من اللحظة الآنية دهشة ، وموقفاً ساخراً تهريجياً ؛ يصدمك المألوف عند المبدع حسام درويش بقدرته على تمزيق الكتلة في اللون والمادة والتشكيل بشكل يكثف المشهدية ، فيحضر التغريب بكل سطوته المربكة.
ضمن هذا التعاطي مع المألوف يتمكن الفنان درويش من تحديد اولويات البعد الجمالي للعمل ، الأمر الذي يحدث صراعا بين المخيلة والمنطق ، فالأسلوب البنائي للعمل عند درويش يقصيك عن المألوف الذي يضعك في وسطه ، ويثبتك في عمق التغريب الذي يتمثله بالتحرر من النمطية.
هذا الصراع بين النمط واللا مألوف يدفع بالمشاهد إلى الانحياز ، والتخلي عن الحيادية ، ليظل الحضور الأقوى للجمال المدهش ، فيولد في الرائي مزيجاً من الحالات التي يوظفها درويش في عمله لتشكل صياغات تحدث في عالمه الجواني هوة يصعب عليه ملؤها بغير المقاومة لاستيعاب ما يرى ويتذوق .
وليست مشاهدة أعمال درويش مجرد حالة بصرية تتلقاها شبكيات العيون ، وتفارقها خلال لحيظات إلى اللا تأثر ، بل إنها عملية تفاعل نفسي فكري جمالي تحضر فيها الميثولوجيا إلى جانب الواقع والحداثة ، لما لهذا المبدع من قدرة على تطويع مفردات التعاطي مع المادة ، فيشكلها بليونة تلازم المتذوق إلى حد يصعب تعديه .
فيترك المألوف ينهار ، ليتشكل من جديد غرابة في دواخل المشاهد ، تجعله مشاركا في التأليف من خلال إضافات ؛ يعجز المتذوق عن تفلتها منه ، و يبدو لو أنه ما مسها من قبل .
ولا يمكن للسطحية أن تستقر في المتذوق خلال هذه العملية، بل إنها تبدأ تقعرها بشكل سحيق ، يخيل إليه أنها باتت ثقباً هائلاً يمكُنه من النفاذ إلى عوالم ما ألفها من قبل .
هنا يبدأ التغريب سلخه عن واقع مألوف ليغور فيه عبر أعماق تفاصيل لها من آليات التشكيل ما يصدم .
وعلى الرغم من اني على علاقة وثيقة ومنذ زمن بالمبدع درويش إلا أني أعجز عن الجزم بأني اعرفه ، لأنه ذلك المتقدم على الفهم بكثير في تأليفاته وتشكيلاته وتنفيذاتها وأسلوبه من اللون في لوحاته التي شاهدتها إلى التعامل مع كتله التي طفت بها .
فلا يمكنني الاقرار بحضور الماضي في أعمله ، ولا الجزم بغيابه ، ولا يمكنني تجاهل المسافات الآتية التي يشقها للخيال مستقبلا في أعماله التي يذهلني بإبداعها .
فيظل عمله حاضراً في داخلي كمتذوق لفترة طويلة يحرمني الاستقرار والتخلص من الشعور بالعجز حتى لحظة الكتابة عنه.
عمر سعيد