ملف لبنان في واشنطن… هكذا يُمكن نزع سلاح حزب الله
وليد فارس – ايندبندنت
يطرح اللبنانيون الرافضون سيطرة حزب الله على بلدهم، وفرضه سلطة الأمر الواقع، سؤالاً كبيراً عن ملف لبنان في واشنطن، ومدى قبول الإدارة الأميركية بالوضع القائم في بيروت.
لفهم الموقف الأميركي في لبنان والمرتبط بما يجري في المنطقة، وموقفها في ما يتعلق بحزب الله عملياً، لا بد من إجراء مراجعة تاريخية مقتضبة.
انتهت الحرب في لبنان في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 1990 بعد 15 عاماً من الاقتتال الداخلي والإقليمي على أساسيين، الأول، اتفاق الطائف الذي وافقت عليه على الرغم من رفض أطياف لبنانية كبيرة هذا الاتفاق. وجاءت إيجابية واشنطن انطلاقاً من اعتقادها أن من نتائجه السريعة انسحاب القوات السورية، كي يتم العمل بعد ذلك على نزع سلاح الميليشيات. غير أن ما حدث بعد اتفاق الطائف عام 1989 أثّر في الموقف الأميركي لعقود. فالجيش السوري كان قد اجتاح المناطق الحرة عام 1990 ونشر مفارزه الأمنية في طول البلاد وعرضها. فكانت النتيجة أن تم تثبيت نظام على أساس الطائف مدعوماً بقوة سورية أمنية وعسكرية، إلى جانب حزب الله. واستمر هذا الوضع لغاية 2005.
منذ العام 2000 بدأت قوى المجتمع المدني، وتيارات سياسية بالتحرك في لبنان. وبالتزامن، حشد الاغتراب اللبناني قوته لتحرير بلده. ونجح عام 2004 في إنتاج القرار 1559، الذي طالب بسحب القوات السورية وتجريد الميلشيات من أسلحتها. وشكل هذا الحراك اللبنة الأساسية لانطلاق ثورة الأرز عام 2005. في تلك الفترة، غيرت واشنطن تحت إدارة الرئيس جورج بوش سياستها في لبنان ورمت بثقلها إلى جانب المنتفضين على الوجود السوري وسلاح حزب الله. ودعمت فرنسا هذه الثورة أيضاً.
ومع نجاح الموجة الأولى من 1559، كان لا بد من الانتقال إلى المرحلة الثانية وهي نزع سلاح حزب الله. العاصمتان (باريس وواشنطن) كانتا تحتاجان إلى معارضة داخلية لنزع سلاح هذه الميليشيا، تمكنهما من إطلاق عمل دولي ثانٍ مشابهٍ للعمل الأول الذي أسفر عن الانسحاب السوري. ولكن قيادات المعارضة اللبنانية، التي امتلكت الأكثرية النيابية، لم توفر في منتصف عام 2005 أي فرصة للمجتمع الدولي لنزع سلاح حزب الله، بل عملت على إدخال الحزب في الحكومة، واعترفت بشرعية سلاحه في عزّ ثورة الأرز. وهذا ما عد خطأ إستراتيجياً. فإدارة بوش لم تتمكّن من مساعدة اللبنانيين الذين رفضوا مساعدة أنفسهم. واستغلّ حزب الله الفرصة على أكمل وجه لإضعاف خصومه، تارة بالاغتيالات وطوراً بالأعمال العسكرية، حتى سقطت الثورة عام 2008 بعد تمكّن حزب الله من اجتياح بيروت والجبل وفرض أمر واقع جديد تجسّد في نتائج مؤتمر الدوحة الذي أنهى أي أمل في إطلاق ثورة ثانية مشابهة لثورة الأرز، وتسلمّ حزب الله بشكل أو آخر مسؤولية الإشراف على الأمن القومي اللبناني.
ومن سوء حظ اللبنانيين أن الإدارة في واشنطن تغيّرت في العام نفسه، إذ تسلّم باراك أوباما الرئاسة وعمل على تثبيت ما تم الاتفاق عليه داخلياً وإقليمياً في الدوحة، فتركت بشكل غير مباشر لحزب الله السيطرة في لبنان. ومع تفجّر الثورة في سوريا لعب هذا الحزب دوراً أكبر بمشاركته عسكرياً، وأُرغمت القوى المعترضة في لبنان على الصمت، ودخل لبنان في المحور العسكري الإيراني الهادف إلى ربط إيران بالعراق وسوريا ولبنان، مع سعي إلى السيطرة على حقول الغاز التي ستُشغّل في المستقبل. ومع بدء المفاوضات بين إدارة باراك أوباما والإيرانيين انعدمت فرص الدعم الأميركي الرسمي لأي تحرّك في لبنان. فواشنطن كانت حريصة على عدم إثارة غضب الإيرانيين. وهذا الأمر ثبّت سيطرة حزب الله بشكل كامل على مفاصل السلطة، وتُوجّ بانتخاب العماد ميشال عون الذي وقعّ تفاهماً معه عام 2006 (تفاهم مار مخايل) رئيساً للجمهورية.
وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض أعاد إحياء مواجهة التمدد الإيراني، وبدأ العمل لتوحيد الجهود الإقليمية لدحر النفوذ الإيراني، وكبح جماح حزب الله. وهو كان واضحاً في مخاطبته الزعماء العرب والمسلمين بشأن ضرورة مواجهة هذا الانفلاش.
وتنبغي الإشارة إلى أن الملف اللبناني مع إدارة ترمب ينقسم إلى قسمين، الأول، يمثله فريق ترمب وأعضاء مجلس الأمن القومي، والثاني، يشرف عليه البيروقراطيون. ولا بد من التنويه بأن الرئيس الأميركي واجه مشاكل كبيرة في العامين الأولين من ولايته منعته من القيام بأي جهد يتعلّق بلبنان، ولم يتمكّن من تعيين دبلوماسيين ينفذون نهجه وتصوّره في ما يتعلق بإيران، قبل أن يقرّر الانسحاب من الاتفاق النووي في مايو (أيار) 2018، ويصعّد ضغوطه في 2019 عبر تشديد العقوبات وإدراج الحرس الثوري على لائحة الإرهاب.
الإدارة الحالية ضربت حزب الله أيضاً على صعيد العقوبات، ولكن هذا الضغط لم يُقابل بردّ شعبيّ مؤثر في الداخل. لذا، يوحي المشهد وكأن واشنطن محكومة بالاستمرار في سياسة العقوبات من دون أن يكون لها شريك إستراتيجي في لبنان، كما حدث مع إدارة بوش. لذلك، لا يمكن إدارة ترمب التحرّك كما يشتهي معارضو حزب الله الذين يبدون عتباً على عدم قيام واشنطن بأيّ خطوة.
في المختصر، لا بد من التأكيد أن تحرير لبنان من سلاح حزب الله هو بين أيدي السياسيين الذين يفاخرون أمام قواعدهم الشعبية بأنهم يشكلون سداً منيعاً في وجه النفوذ الإيرانيّ، ولكن لا يُقدمون على شيء يُمكن أن يسهم في تغيير الموقف الأميركي والانتقال به من سياسة العقوبات إلى تقديم دعمٍ كامل، على غرار ما يجري في فنزويلا. وهناك فرصة كبيرة في ظلّ وجود جون بولتون ومايك بومبيو في الإدارة. والمطلوب اليوم توحيد جهود السياسيين المعارضين مع قوى المجتمع المدني التي لعبت دوراً أساسياً في الانتفاضة على الاحتلال السوري، وضرورة قيام المسؤولين الجدد عن الشرق الأوسط بإعادة تقييم التعاطي مع لبنان حالياً، القائم على الحوار مع الحكومة ودعم الجيش اللبناني، والانتقال إلى مرحلة أخرى يستمر خلالها الدعم مع ممارسة ضغوط على الحكومة لتجريد حزب الله من سلاحه.
ملفّ لبنان الحرّ في واشنطن، ينتظر لبنان المحتلّ ليتحرّك ويلاقيه مسؤولو ترمب في منتصف الطريق.
وليد فارس الأمين العام للمجموعة الأطلسية