التنفيعات السياسية تُرهق الموازنة بمؤسسات وإدارات شبه وهمية
لم تنجح سياسة “عصر” النفقات التي انتهجتها الحكومة اللبنانية في موازنة 2019، لخفض العجز المالي، في إقناع المجتمع الدولي بجدية الإصلاحات. فمكامن الهدر والفساد الحقيقية لم تعد خافية على أحد، وإن كان سياسيونا مستمرون بالتغاضي عن مؤسسات وإدارات لا جدوى من وجودها، في مقابل تركيز جهودهم “الإصلاحية” على رسوم نرجيلة من هنا وأكاليل زهر من هناك، وغيرها الكثير من الإجراءات التي لا تُسمن ولا تغني عن جوع.
وإذا ما استثنينا مكامن الفساد وأوجهه، نلحظ أن أبواب الهدر ما زالت مشرّعة على مصراعيها في موازنة 2019، كما موازنة العام 2018، وتحديداً من خلال رصد موازنات ومساهمات مالية لمؤسسات وإدارات تعطّلت منذ سنوات، بفعل إهمال الدولة، أو تقاعدت وانتفى سبب وجودها.
ولا يقتصر الهدر في القطاع العام على رصد الموازنات لمؤسسات معطلة، بل يتعداها إلى ازدواجية بعض المؤسسات وتقاطع صلاحياتها مع مؤسسات أخرى، أنشئت تلبية لتنفيعات سياسية وطائفية لا أكثر.
مؤسسات معطّلة
قبل إقرار موازنة العام 2018، أصدرت لجنة المال والموازنة النيابية مجموعة توصيات يُساهم تنفيذها بترشيد الإنفاق العام. وجاء في صدارتها دعوة الحكومة إلى إلغاء الإدارات الرديفة، وعدم تخصيص أي اعتمادات لها. لكن الحكومة ورغم وعودها بالإصلاح وضبط الهدر، لم تفتح ملف الإدارات الرديفة أو الإدارات غير الفاعلة، حتى أنها لم تحصِها، إنما اكتفت بخفض مخصصاتها المالية من موازنة 2019 بشكل خجول، كما باقي المؤسسات والإدارات.
وسبق لـ”المدن” أن عرضت في وقت سابق تزامناً مع إقرار موازنة العام 2018 بعض المؤسسات شبه المعطّلة. ورغم تعهد الحكومة بإعادة النظر بالمؤسسات غير الفاعلة، وترشيد نفقاتها، لم تشهد موازنة 2019 أي تغييرات على هذا الصعيد، لا بل شهدت ارتفاعاً في اعتمادات بعض تلك المؤسسات. وفي ما يلي بعض المؤسسات غير الفاعلة و”المعطلة” مع ما سيُصرف لها من موازنة العام 2019:
1- الصندوق المركزي المهجرين يخضع لوصاية رئاسة مجلس الوزراء. تبلغ موازنته عام 2019 نحو 40 مليار ليرة. تحدد مهامه بتمويل مشاريع عودة وإسكان المهجرين في المناطق اللبنانية كافة، وتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، عبر إنشاء وترميم مساكن أو منح المساعدات والقروض العينية أو المالية، التي تؤدي إلى تحقيق الغاية. مضى على تأسيس صندوق المهجرين 26 عاماً، ولم ينته من تنفيذ مهمته حتى اليوم. يُذكر أن مهام الصندوق تتقاطع مع مهام وزارة المهجرين، التي تُرصد لها أيضاً موازنات سنوية تقدر بنحو 7 مليار و503 ملايين ليرة.
2- المؤسسة العامة لترتيب الضاحية الجنوبية الغربية لبيروت “أليسار”. توقف عمل هذه المؤسسة منذ العام 1997، وما زالت موازناتها المالية تُصرف حتى اليوم. وقد بلغت موازنتها السنوية نحو 2.8 مليار ليرة، متراجعة من نحو 3.4 مليار ليرة عام 2018.
3- المؤسسة العامة للأسواق الاستهلاكية. تخضع لوصاية رئاسة مجلس الوزراء. تبلغ موازنتها السنوية 878 مليون ليرة عام 2019، بارتفاع بلغ 7 ملايين ليرة عن العام 2018، حين بلغت موازنتها 871 مليون ليرة. وتتقاطع بكثير من مهماتها مع وزارة الاقتصاد والتجارة. وتتنوع مهمات المؤسسة بين إقامة الأسواق الشعبية وإدارتها واستثمارها وإرشاد المستهلك وحمايته من الاستغلال والغش وتشجيعه على استهلاك المنتجات الوطنية ومحاربة الاحتكار ومكافحة المضاربات.
4- المجلس الأعلى السوري- اللبناني، أنشىء بهدف متابعة تنفيذ أحكام “معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق” بين البلدين، وتبلغ موازنته السنوية 796.5 مليون ليرة، بعد خفضها من نحو 885 مليون ليرة، رغم تعطل مهماته بعد تدهور العلاقات بعد العام 2005، وبناء علاقات دبلوماسية، وانتفاء مبرر وجوده.
5- مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك اللبنانية. تخضع لوصاية وزارة الأشغال العامة والنقل. تبلغ موازنتها السنوية 12 مليار و966 مليون ليرة في موازنة 2019، بعد خفضها من 12 مليار و985 مليون ليرة في موازنة 2018، أي بنحو 19 مليون ليرة فقط، رغم تعطل سكك الحديد وتوقف القطار منذ العام 1979، على خط طرابلس بيروت، ومنذ العام 1983 على خط الجنوب بيروت، قبل أن يتوقف نهائياً عام 1988.
6- معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس. يخضع لوصاية وزارة الاقتصاد والتجارة. تبلغ موازنته السنوية نحو 400 مليون ليرة. لم يتم تعديلها في موازنة 2019، رغم توقف المعرض عن ممارسة مهماته منذ سنوات. مهمة المعرض الأساسية التعريف بثروات لبنان والبلاد العربية والأجنبية، وإطلاع التجار والصناعيين على التقدم الحاصل في مختلف فروع الانتاج، إضافة إلى عقد المؤتمرات واستضافة المنظمات المتخصصة.
7- المشروع الأخضر. يخضع لوصاية لوزارة الزراعة. وتبلغ موازنته السنوية نحو 2.4 مليار ليرة (2.404.000.000 ليرة)، لم يطرأ عليها أي تغيير في موازنة 2019. يتولى المشروع مهمات إعداد الخطط والمشاريع الإنمائية الزراعية في المناطق اللبنانية، ولكنه شبه معطل.
8- المؤسسة الوطنية للاستخدام. تخضع لوصاية وزارة العمل. تبلغ موازنتها السنوية نحو 5 مليارات ليرة (4 مليار و941 مليون ليرة)، مرتفعة من 3 مليار و271 مليون ليرة عام 2018. وتتولى مهمات التوجيه والرعاية المهنية ووضع الدراسات والبرامج وإحصاء اليد العاملة وتأمين فرص العمل وغيرها من المهمات، وهي معطلة بشكل تام.
وغيرها كثير من الكيانات المعطّلة، إن مؤسسات أو إدارات أو برامج، أوقفت أنشطتها منذ أعوام، وما زالت تُصرف لها الموازنات، كهيئة إنشاء وإدارة مراكز التجمع الصناعي، والمؤسسة العامة للزراعات البديلة، والمؤسسة الوطنية للخدمات والدراسات الإحصائية، وإدارة البريد، ومجلس الاعتماد اللبناني (COLIBAC) وسواها..
عزة الحاج حسن – المدن