هكذا تنتحل طهران صفة مواقع عالمية لنشر الأخبار الكاذبة
خلصت نتائج دراسة بحثية، أجراها فريق من الخبراء والعلماء في جامعة تورنتو الكندية على مدار عامين، إلى أن طهران هي المتهم الأول في تنظيم حملة واسعة النطاق لنشر المعلومات المضللة عبر الإنترنت، يتم خلالها انتحال صفة واسم وسائل إعلام عالمية شهيرة وتستخدم حسابات مزيفة على منصة تويتر لنشر أخبار كاذبة ومقالات مفبركة، وتستهدف عدداً من الصحفيين والنشطاء المعروفين، بحسب ما كتبه كريج سيلفرمان على موقع “BuzzFeed News”.
فمنذ أوائل عام 2016، قامت حملة التضليل الإيرانية بنشر حوالي 135 مقالة ملفقة على مواقع إنترنت، تم تصميمها لكي تنتحل شكل واسم منافذ إعلامية شهيرة، مثل “ذا غارديان” و”بلومبيرغ” و”ذي إندبندنت” و”ذي أتلانتيك” و”بوليتيكو”.
ومن الأمثلة على هذه الممارسات، أنه تم تزييف مقال يزعم أن 6 دول عربية دعت الاتحاد الدولي لكرة القدم الـ”فيفا” لتجريد قطر من حق استضافة مونديال 2022، ووقعت عدة منافذ إعلامية شرعية في الفخ ونقلت عن المقال ونشرت المعلومات المضللة. ثم تراجعت وكالة “رويترز” وقامت بتصحيح المعلومات بمجرد أن أدركت أن مصدر المعلومات كان مجرد موقع مزيف على شبكة الإنترنت ينتحل شكل واسم موقع أخبار سويسري حقيقي اسمه The Local،ولكن ما يزال هناك بعض المعلومات الخاطئة منشورة عبر منافذ أخرى على الإنترنت.
ويقول رون ديبرت، مدير مركز “سيتيزن لاب” بجامعة تورنتو الكندية: “إن الدراسة تؤكد مدى صعوبة التحقق من المعلومات عندما يكون هناك جهات فاعلة سيئة تقوم بنشر محتوى ضار عن عمد، ويمكن أن تضع أقنعة تخفي لدوافعها”.
ويضيف ديبرت أن حملة التضليل الإيرانية تُظهر كيف “يتم التعاطي مع وسائط التواصل الاجتماعي كمختبر للأخبار المضللة بواسطة عدد من الجهات الحكومية وغير الحكومية.”
ذباب طهران الإلكتروني
استنتجت الدراسة البحثية أنه بـ”ثقة معتدلة”، هناك صلات تربط بين عمليات التضليل الممنهجة وأطراف فاعلة في إيران، بناءً على تحليل عناوين المواقع (اسم النطاق) ونوعية المقالات وحسابات تويتر المزيفة بالإضافة إلى معلومات أخرى توافرت من خلال نتائج تحقيقات قام بإجرائها كل من منصة فيسبوك وشركة فاير آي للأمن السيبراني.
وأطلق فريق الباحثين في “سيتيزن لاب” اسم “سرب ذباب مايو المتواصل”، وأشاروا إلى أنه تمت ملاحظة تكثيف أنشطة الحملة العدائية وتركيزها على نشر موضوعات كاذبة بشأن السعودية تحديداً.
استهداف متواصل للسعودية
ويقدم تقرير نتائج دراسة “سيتيزن لاب” معلومات جديدة أساسية حول مجموعة من المواقع الإخبارية المزيفة ومقالات مفبركة أثارت اهتماماً وتدقيقاً إعلامياً منذ عام 2016. ومن بين الأمثلة المعروفة، نشر موقع إلكتروني مزيف، ينتحل صفة صحيفة Le Soir البلجيكية، رواية مفبركة تزعم أن الرياض تقوم بتمويل حملة المرشح آنذاك إيمانويل ماكرون للرئاسة الفرنسية. وينتحل الموقع المزيف نفسه، اسم “ذا غارديان” في نشر موضوع آخر مفبرك وتم تداوله سريعا وعلى نطاق واسع في وسائل الإعلام الروسية.
ويقول ديبرت إن “سيتيزن لاب” سارع بنشر نتائج الدراسة لأن الحملة الإيرانية تستخدم أساليب جديدة لنشر المعلومات المضللة، ويحتاج الباحثون والصحفيون والجماهير إلى معرفة والاطلاع على مدى سرعة تطور هذه العمليات التضليلية.
لاعب آخر في ساحة التضليل
ويوضح ديبرت “من المهم أن يدرك الجميع أن التضليل الروسي ليس هو الحالة الوحيدة من نوعها على الساحة”، مشيرا إلى أن هذه الممارسات الإجرامية الإيرانية “تثبت مدى صعوبة وجود مجال صحي عام، في ظل وجود نظام بيئي، تم إنشاؤه بغرض تعزيز ونشر العكس (الكذب والتضليل).. إنها بيئة مثالية لنشر المعلومات المضللة”.
بدأ “سيتيزن لاب” الدراسة البحثية التي أسموها ” Endless Mayfly” في أبريل 2017 بعد رصد مقال، على أن مصدره هو صحفية “ذي إندبندنت” البريطانية، على منصة Reddit. وزعم المقال المفبرك أن “تيريزا ماي (رئيسة الوزراء البريطانية) تحاول تجنب عواقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عن طريق تقبيل الأنظمة العربية”. وتمكن فريق الباحثين في “سيتيزن لاب” من تحليل تفاصيل اسم النطاق domain name للموقع، وكذلك تم رصد عدد من الحسابات المزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي التي تم استخدامها لنشر الموضوع وكأنه منقول من مصدر حقيقي.
حسابات تويتر المزيفة
وبمرور الوقت، قام الباحثون بتعقب وتتبع 11 حسابا مزيفاً على منصة تويتر يتم توظيفهم للترويج لموضوعات وأخبار ومقالات مفبركة في إطار الحملة الإيرانية للتضليل.
ويشرح ديبرت أن الحسابات المزيفة على تويتر “كانت تبدو بسيطة وتحمل بيانات شخصية كاذبة، تزعم أن الحسابات لطلاب أو صحفيين أو نشطاء، ولا يوجد على صفحاتهم إلا بضع تغريدات على نطاق ضيق حول عدد قليل من الموضوعات”.
ويضيف ديبرت: يعكف القائمون على تشغيل هذه الحسابات على التغريد بروابط للمقالات المفبركة، وفي بعض الأحيان يتواصلون مع صحفيين شرعيين عبر رسائل مباشرة، لمحاولة حثهم على زيادة تضخيم محتوى بعض الموضوعات، سواء بالتعليق أو المشاركة.
ويكشف تقرير “سيتيزن لاب” أن الحسابات المزيفة تقوم بالتغريد مرارا وتكرارا لمقال أو خبر مفبرك متضمنا الرابط المزيف للمقالات غير الموثوقة، ويتم أحيانا إرسال المعلومات المضللة مباشرة إلى صحفيين وناشطين معروفين لجرهم إلى دائرة الترويج للموضوعات الكاذبة.
ويوضح التقرير أن فريق الباحثين لاحظ أنه يتم في أغلب الأحيان حذف المقالات المفبركة من المواقع المزيفة، بمجرد أن يتم تداولها ونشرها على مواقع إلكترونية أخرى تتبع وسائل إعلامية حقيقية، ثم تتم مشاركتها مجددا عبر منصات التواصل الاجتماعي، والتغريد باستخدام رابط الجهة الإعلامية الحقيقية التي انطلت عليها الخدعة.
تكتيك “تضليل سريع الزوال”
ويقول ديبرت إن هذا التكتيك ربما يخلق انطباعاً لدى البعض بأن القصة المزيفة ظهرت أصلاً على الموقع الحقيقي.
ويوضح أن جزءاً من خصائص وسائط التواصل الاجتماعي هو المدى القصير للاهتمام وقلة تركيز المستخدمين على التفاصيل الدقيقة”، معقباً بأن فريق الباحثين أصيب “بصدمة من قدر الإبداع في تكتيكات التضليل”.
ويصف التقرير هذه التقنية باسم “التضليل سريع الزوال” لأن “الرسالة المغلوطة تبقى قائمة على الرغم من سرعة زوال الدليل عليها”.
أساليب نشر الكذب والفبركة
وفي صيف 2017 قامت حملة التضليل الإيرانية بتطوير أساليبها وتكييفها، حيث لم تعد تنشئ أسماء نطاق domain names مزيفة لوسائل الإعلام العالمية الشهيرة لنشر مقالات مفبركة، وإنما توسعت في استخدام الحسابات المزيفة على منصة تويتر لنشر مقالات على مواقع الإنترنت في المنصات التي تفتح أبوابا لمشاركات ونشر محتوى خاص من المستخدمين والقراء مثل منصة Medium ومنصة BuzzFeed الاجتماعية. ثم يتم التغريد على نطاق واسع باستخدام الرابط الخاص لهذه الموضوعات الكاذبة بعنوان اسم النطاق للمنصات الشرعية المعروفة عالميا.
ويستطرد ديبرت قائلا إن فريق الباحثين في “سيتيزن لاب” عثر على خيوط ومعلومات تربط بين “حملة ذباب التضليل الإلكتروني” وإيران أثناء التحقيقات وعمليات التتبع، ولكن جاءت الأدلة الجديدة المهمة في أغسطس 2018، عندما أعلنت شركة فيسبوك وفاير أي للأمن السيبراني عن رصدهما لشبكة من الحسابات المزيفة على وسائط التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت تنخرط في تنفيذ عملية معلوماتية إيرانية. وأنه تبين أن العديد من الحسابات والمواقع الإلكترونية التي قام بتحديدها فيسبوك وفاير آي مع نفس الحسابات والمواقع، التي رصدتها دراسة وعمليات تتبع “سيتيزن لاب”، والتي كانت تعمل على تضخيم محتوى المقالات المفبركة والترويج للمقالات المزيفة في إطار حملة “الذباب الإلكتروني الإيراني”. وأعقب تلك الخطوة “بعد فترة وجيزة، اتخاذ غوغل وتويتر إجراءات حظر ضد الشبكة نفسها، وأشارت آنذاك إلى أن تلك الشبكة تمارس “نشاطها تحت رعاية دولة” وتنفذ عمليات “تلاعب منسقة”.
ويشير إلى أن كل هذه الخيوط والمعلومات من طرف فيسبوك وفاير آي وغوغل وتويتر قدمت تأكيداً خارجياً مهماً لما توصل إليه فريق العلماء والخبراء المشاركين في دراسة “سيتيزن لاب”. لكنه شدد أيضًا على أنه على الرغم من ذلك ربما يكون الاتهام بشكل حاسم أمراً صعباً من الناحية العلمية، بخاصة عندما يكون للجهات الفاعلة دوافع مختلفة يمكنها أن تتلاقى مع نفس الرواية لأسباب مختلفة.
العربية نت