تحت المجهر

والد حسان : ستة أشهر من العذاب ذاقه ابني إلى أن استسلم للموت

لوسي بارسخيان – المدن

نجحت عائلة حسان الضيقة، من تحويل وفاته محتجزاً في مستشفى الحياة، ليل السبت الأحد، إلى قضية رأي عام، بعد اتهامات وجهتها إلى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، بمنعها العلاج عنه، على الرغم من صدور ثلاثة تقارير شرعية طبية، أكدت تعرضه لعنف تسبب له بآلام مبرحة في أسفل الظهر، يتطلب علاجها عملية جراحية.

رواية الأب
أصعب من “دفن ابنه تحت التراب”، يتحدث والد حسان المحامي توفيق الضيقة عن ستة أشهر من العذاب الذي ذاقه ابنه. رفضت القاضية غادة عون تصديقه، إلى أن استسلم للموت، بعد أن تبلغت عائلة حسان من الأطباء الذين كانوا يشرفون على وضعه، أنهم ما عادوا قادرين على حقنه بإبر المورفين والكورتيزون، لأن ذلك بدأ يترك مضاعفات صحية على كليتيه وكبده.  

يروي الضيقة لـ”المدن” أن ابنه، الذي كان يعمل مخلصاً جمركياً في مرفأ بيروت، أوقف بتاريخ 1 تشرين الثاني 2018 لدى فرع المعلومات، في ملف للإتجار بالمخدرات، ورط به “زوراً” (حسب قول الوالد)، وكان يفترض بالتحقيقات إثبات ذلك. بدأت المخالفات، كما يقول، عندما استمر توقيفه تسعة أيام في فرع المعلومات، حيث تعرض أيضاً لانتزاع اعترافات تحت الضرب والتعذيب. ومن ثم نقل إلى النيابة العامة، حيث أوقف في نظارتها حتى 14 تشرين الثاني، بشكل مخالف للقانون. في هذا الوقت بدأ محامو الضيقة يطالبون بإخلاء سبيله بسبب الاحتجاز غير القانوني.

إعترافات تحت التعذيب؟
إلا أن القضية حولت إلى قاضي التحقيق الذي عين له جلسة بداية في 23 تشرين الثاني، ومن ثم قرب موعدها بدون إبلاغ عائلته إلى 16 تشرين، حين صدرت مذكرة بتوقيفه.

عندها صار هم العائلة كما يقول الضيقة، إثبات التعذيب الذي تعرض له حسان لدى فرع المعلومات، وانتزاع اعترافاته، التي تراجع عنها لاحقاً، قائلا أنها انتزعت منه تحت التعذيب. ولكن القاضية عون رفضت تقديم طلب كشف الطبيب الشرعي، فقدم الطلب عند المدعي العام سامي صادر، ووافق على كشف للأضرار الجسدية والأضرار النفسية. في 23 تشرين تمكن الطبيب الشرعي نعمة ملاح من الكشف عليه، فأكد على وجود ألم لدى حسان بأسفل ظهره، ناتج عن تعرضه لضرب مبرح، وحاجته لصورة رنين مغناطيسي. ولكن النيابة العامة لم تأخذ بالتقرير على رغم صدور تقرير طبيب شرعي ثانٍ مشابه له بتاريخ 26 تشرين عن الطبيبة ريف كنعان.

حاولت العائلة هنا الاستفادة من القانون 65 الصادر سنة 2017 والموقع من رئيس الجمهورية ميشال عون، والذي يعتبر الإعترافات تحت التعذيب باطلة ويعاقب عليها القانون. إلا أن الشكوى التي تقدمت بها ضد فرع المعلومات حولت إلى فرع المعلومات! وهنا يقول الضيقة وقعت الإشكالية كون ذلك مخالف للقانون. ويضيف “مباشرة قدمت شكوى ثانية لدى قاضي التحقيق الأول بتاريخ 10 كانون الأول، ولكنه لم يسجلها. فلجأنا إلى لجنة حقوق الانسان بمجلس النواب التي بحثت القضية وناقشت الحالة، بحضور ممثل وزير العدل وقوى الأمن الداخلي، وتم الاستعانة بالنائب السابق غسان مخيبر، الذي نقل الملف إلى وزير العدل ورئيس مجلس القضاء، واتصل بالمدعي العام وقاضي التحقيق، وكانت الإيجابية الوحيدة أن قاضي التحقيق حينها قبل بتسجيل الشكوى”.

الطريق إلى المستشفى
غير أن تزامن قضية الضيقة مع حملة مكافحة الفساد بالقضاء، انعكست مزيدا من التشدد بملف إبنه، وخصوصا بعد فضيحة تاجر المخدرات الذي زور التقارير الشرعية للإفراج عنه، فلم توصل الاتصالات بمستشار الرئيس عون وبمختلف المرجعيات سوى إلى طريق مسدود.

فحمل الوالد القضية إلى جنيف، كون لبنان عضو في اتفاقية مناهضة التعذيب، وكان لدى الحكومة اللبنانية مهلة شهرين لتجيب على شكواها لدى الأمم المتحدة، ولكنها لم تجب، فبتت المحكمة بالموضوع، وعينت ثلاثة مقررين من المفوضية السامية للامم المتحدة، واحد للاطلاع على وضعه الصحي، وآخر للتحقق من مسألة تعرضه للتعذيب، والثالث لمتابعة مسألة احتجازه، ولكن من دون الوصول إلى نتيجة في طلب إخلاء سبيله.

في هذا الوقت بدأت حالة حسان الصحية تتدهور، ولم يكن على العائلة سوى اللجوء إلى وساطة سياسية لتأمين نقله إلى المستشفى، ونجحت بذلك، بوساطة مسؤول وحدة الارتباط في حزب الله وفيق صفا، لينقل حسان إلى مستشفى الحياة في 2 نيسان 2019.

لم ترد الدولة أخذ علاج حسان على مسؤوليتها، كما أن بوليصة تأمين حسان لا تغطيه موقوفاً، ولا وزارة الصحة، ولذلك أخذت العائلة علاجها على عاتقه.

وبعد أن أظهرت صور الرنين المغناطيسي حاجته لعملية ملحة في سلسلة الظهر، عكست حجم الألم الذي كان يعانيه طيلة الفترة الماضية، وخصوصا بعدما شلت رجله اليسرى وتورمت، بقيت القاضية عون ترفض أخذ حالته على محمل الجد، وتتهمه بالكذب، وعينت – وفقاً للوالد- طبيباً شرعيا من قبلها ليثبت ذلك، ناقضه تقرير طبيب شرعي آخر كشف عليه أيضا في هذه الفترة.

الاستسلام للموت
طلب موكلو حسان بإخلاء سبيله حتى تتمكن عائلته من نقله إلى مستشفى آخر، لإجراء العملية التي كان سيحتاج بعدها إلى فترة علاج تستمر ستة أشهر، إلا أن الطلب ووجه بالرفض كذلك. وفيما كانت الحالة الصحية لحسان تتدهور، بقي الأهل ممنوعين من مواجهته، ولا يرونه سوى لدقائق كان خلالها يخبرهم بألمه، إلى أن أطلع الأطباء العائلة على حالة حسان الصحية، وأبلغوهم أنهم مضطرون لوقف حقن الكورتيزون والمورفين الذي كان يحقن به يومياً، منذ 2 نيسان الماضي، ولكن الألم كان أصعب من أن يتحمله حسان، فقرر الإستسلام.

حسان ابن 44 سنة، والد لثلاث بنات. يقول والده أنه ربما يكون قد أخطأ، وربما لا، التحقيق كان سيظهر ذلك، ولكن بدلا من ذلك حكم عليه بالإعدام، لتيتم عائلته. ومن هنا، يقول “قضيتنا ستسلك المسار القانوني، ونحن طالبنا بتحقيق عادل فيما جرى، ومحاسبة المسؤولين عن وفاته، وهي على العموم سلكت طريقها في جنيف، لأن من يخطئ لا يستحق التعذيب، وإذا عذب لا تكون تغطية ذلك بمنع العلاج عنه، وهي على العموم باتت قضية إنسانية أولاً، وسنعتبر وفاته رسالة لمنع تكرار هذه الحوادث في محاكمنا”.

وزارة الداخلية
وكانت وزيرة الداخلية والبلديات، ريّا الحسن، أعربت في بيان “عن أسفها لوفاة الموقوف حسان توفيق الضيقة، الذي كان أوقف بموجب مذكرة وجاهية صادرة عن قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان في تشرين الثاني 2018”.

وأعلنت أنها “كانت أعطت تعليماتها إلى المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بضرورة اتخاذ الاجراءات الفورية لفتح تحقيق للوقوف على أسباب الوفاة.

وأوضحت أن وزارة الداخلية كانت بعثت بتقرير مفصل في هذا الخصوص إلى مكتب المفوضية السامية لحقوق الانسان التابعة للامم المتحدة حول الادعاءات عن تعرض الضيقة لعملية تعذيب.

وأكدت الحسن التزامها الكامل بتطبيق المعاهدات العالمية لحقوق الإنسان، وعدم حصول أي ممارسات تنتهك حقوق الإنسان. وتمنت عدم التسرع في إطلاق الأحكام ليأخذ التحقيق مجراه القانوني”.

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button