مؤامرة على مصرف لبنان؟
خضر حسان – المدن
حافَظَ مصرف لبنان على حياده في كل السجالات السياسية التي شهدتها البلاد منذ مطلع التسعينيات. وقد تلقى المصرف مساعدة مباشرة من السلطة السياسية، التي اتفقت ضمنياً على عدم المس بالمصرف المركزي، وعدم إدخاله في اللعبة السياسية، لأن مصير اللعبة برمّتها سيكون عرضة للانهيار في حال كان المركزي جزءاً من الأخذ والرد بين قوى السلطة. لكن المركزي عاد بعد نحو 25 عاماً، إلى الواجهة من زاوية سياسية ومالية، فما الذي حدث؟.
الموظفون يحمون مصالحهم
لم يستفد موظفو مصرف لبنان من سلسلة الرتب والرواتب التي أعطيت لموظفي القطاع العام، ذلك أن النظام القانوني للمصرف يُبعده عن المسار الإداري للقطاع العام. فلدى المصرف موازنة مستقلة، ولا يقبض موظفوه من مالية الدولة كباقي موظفي القطاع العام.
ولم يُطالب موظفو المركزي بحصّة مماثلة للزيادات التي لحقت برواتب موظفي الدولة، فنظامهم الخاص يكفل إصابة رواتبهم وحوافزهم المرتفعة بالحَسَد من قِبَل موظفي الدولة الخاضعة رواتبهم لوصاية وزارة المال.
لكن مع قرار السلطة السياسية بإعداد موازنة تقشفية للعام 2019، تتضمن المس برواتب وتعويضات وحوافز موظفي الدولة، تمدد القرار هذا ليطال أيضاً موظفي المصرف المركزي، الذين يخوضون إضرابات وإعتصامات ترفض المس برواتبهم “وبالأشهر الأساسية والإضافية التي يتقاضاها موظفو المصرف، والمستحقة لهم بموجب القانون الذي ينظّم عمل المصرف الذي ليس له علاقة بمالية الدولة”، حسب ما تؤكده الجمعية العمومية لموظفي مصرف لبنان، التي تشير إلى أنه “إذا أقرّت الموازنة كما هي وكانت فيها البنود المتعلّقة برواتب موظفي المصرف، أو بالتقديمات الملحقة برواتبهم، فإن الإضراب سيكون مفتوحاً بدءاً من الإثنين (6 أيار)، حتى تتراجع القوى السياسية عن القرارات الجائرة التي اتخذتها بحق الموظفين”.
ووضعت الجمعية قرار المسّ برواتب الموظفين، في إطار “الهجمة على مصرف لبنان”، واصفة إياها بأنها “مبرمجة لهدم وتخريب المصرف”. وأبعَدَت الجمعية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن مشهد الإضراب، لافتة النظر إلى أن “الحاكم تمنى علينا أن لا يكون الأمر (الإعتراض) أكثر من بيان لكن قرارنا نقابي مستقل”.
محاولة لإخضاع “المركزي”؟
الحديث عن عملية استهداف رواتب وحوافز موظفي المركزي، باستخدام موازنة لا علاقة لهم بها، تترافق مع محاولة غير مؤكدة حتى الآن “لإخضاع موازنة مصرف لبنان إلى وزارة المال”. إلا ان وزير المال علي حسن خليل قطع الطريق على تلك المحاولة بتغريدة عبر “تويتر”، أعلن فيها إن “كل الحديث حول مشروع لتغيير في العلاقة القانونية بين وزارة المال والمصرف المركزي هو محض إختلاق ولا أساس له، وجزء من حملة ضخ المعلومات المغلوطة والمشبوهة للتشويش على إقرار الموازنة”.
نفي محاولة الإخضاع لم تُخرِج المركزي كلياً من دائرة التأثّر بما يُرسَم له. فنافذة الموظفين ما زالت مفتوحة على كل الاحتمالات. التصعيد أو عدم إيجاد حل ملائم للأزمة الحالية، قد يستدعي إقفال المصرف وتوقف الموظفين عن العمل. ما يعني، حسب رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه “تجميد العمل المصرفي، لأن المصارف تضع سيولتها النقدية في مصرف لبنان وتأخذها منه لتسيير عملها اليومي. من هنا لا يمكن أن يقفل مصرف لبنان أبوابه من دون أن تتأثر المصارف وجمهورها بذلك”.
سوء إدارة وتقدير
لا ينفصل ملف موظفي مصرف لبنان عن ملف موظفي القطاع العام، وكذلك عن موظفي القطاع الخاص وباقي المواطنين، حتى العاطلين عن العمل. ففي الصورة العامّة، يدفع الجميع ثمن السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة بعد الحرب الأهلية. لذلك، ترى مصادر اقتصادية في حديث لـ”المدن”، أن ليس هناك استهداف أو مؤامرة مباشرة ضد مصرف لبنان وموظفيه، وإنما هناك “سوء إدارة وسوء تقدير عام للأوضاع الاقتصادية والمالية والسياسية من قِبَل السياسيين الذين يتخبّطون في محاولة لإيجاد حلول للأزمات التي أوقعوا البلاد فيها، نتيجة عقود من السياسات الخاطئة، التي لم تكن ترى سوى المصالح الخاصة. واليوم، وصلت سياسات مخالفة القانون والتحايل عليه إلى حد لم يعد يمكن للحكومات المتعاقبة ترقيع الفجوات التي إختلقتها تأميناً لمصالح أفرقائها”.
وتضيف المصادر أن مصرف لبنان “لم يُبعد نفسه، مؤخراً، عن سوء الإدارة وعن اللعبة السياسية، من خلال إفادته للمصارف الخاصة التي يملكها أو يشارك فيها سياسيون واقتصاديون مقرّبون من السياسيين، وذلك من خلال الهندسة المالية التي أكسبت المصارف نحو 5 مليار دولار”.
ورغم كل ما يحدث، “لا خطر على مالية الدولة ولا على الليرة ولا حتى على مصرف لبنان، لكن هناك مزيد من الضغوطات الاقتصادية في حال استمرار النهج الذي تسير وفقه الحكومة الحالية، التي تحاول لملمة أزمتها من خلال موازنة تقشفية خاطئة. وكل الخوف من أن يكون هذا الخطأ مقصوداً لتدفيع الناس مسؤولية أخطاء السياسيين، وهنا تكون الكارثة الكبرى”.