وسط توتر بين الإمارات وتركيا… هل قُتل المعتقل الفلسطيني في إسطنبول بزعم “التجسس”؟
بعد نحو 10 أيام من اعتقالهما، أعلنت السلطات التركية، اليوم الإثنين، انتحار أحد المشتبه بهما الفلسطينيين الاثنين الموقوفين في سجن “سيليفري” بإسطنبول بزعم التجسس لصالح الإمارات، وهو ما نفته الأخيرة جملة وتفصيلا، في وقت اتهم شقيق المشتبه به المقتول في ظروف غامضة، السلطات التركية بتصفيته، وطالب في تصريحات لـ”إندبندنت عربية” بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في الحادث.
مات مشنوقاً
قالت النيابة العامة التركية في إسطنبول، إن الموقوف “زكي يوسف حسن، بتهمة التجسس لصالح الإمارات، وُجد مشنوقاً بباب الحمام في زنزانته الانفرادية بسجن سيليفري، وذلك في الساعة 22:10 مساء أمس بالتوقيت المحلي”.
ووفق بيان النيابة العامة التركية، فإن حسن اعتقل في 19 أبريل (نيسان) الحالي، بتهمة التجسس السياسي والعسكري والتجسس الدولي، لصالح الإمارات، وفقاً لما نقلته وكالة “الأناضول” التركية الرسمية.
وأضاف البيان، أن أحد موظفي السجن شاهد “حسن” مشنوقاً، على باب الحمام، في أثناء قيامه بتوزيع الطعام على المساجين. وأشار البيان إلى أن الموظف أبلغ على الفور مسؤولي السجن بالحادث، ولفت البيان إلى أن الجهات المختصة بدأت التحقيق في هذا الخصوص، وعاينت الجثة في دائرة الطب الشرعي بإسطنبول.
صورة نشرتها السلطات التركية للمشبته به زكي حسين بعد اعتقاله (رويترز)
وكان مسؤول تركي رفيع المستوى، لم يكشف عن هويته، ذكر لوكالة “رويترز” أن الأمن التركي أوقف شخصين يشتبه بقيامهما بالتجسس “سياسياً وعسكرياً ودولياً” على مواطنين عرب، بمن فيهم معارضون سياسيون مقيمون في الأراضي التركية، بتكليف من دولة الإمارات.
من جهتها، نقلت وكالة “الأناضول” التركية، عن مصادر قضائية، أن السلطات المعنية تحقق فيما إذا كان للموقوفين علاقة بمقتل الكاتب السعودي الراحل جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي.
وخلال الشهور الأخيرة يسود “توتر” في العلاقات بين أنقرة وأبو ظبي، ويتبادل مسؤولا البلدين الاتهامات بين الحين والآخر.
وبعيد إعلان أنقرة القبض على “المشتبه بهما”، علَّق وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، منتقداً ومشككاً في مصداقية البعض، من دون أن يتضمن التعليق إشارة إلى جهة محددة.
وكتب قرقاش، في تغريدة على حسابه الرسمي “تويتر”، “حين تفقد مصداقيتك لا يصدقك أحد، تتهم وتدَّعي وتتغير الرواية وتتبدل، ولأنك غير صادق لا يصدقك أحد. في المحصلة من الواضح أن هروبك إلى الأمام من تراجعاتك الداخلية والخارجية يزعزع موقعك، ويستنفد رصيدك، أمَّا كلمتك فلا تؤخذ محمل الجد”.
العائلة تشكك وتطالب بتحقيق دولي
وطالب يوسف زكي مبارك، نجل السجين الفلسطيني، في تصريحات صحافية تعليقاً على الحادث اليوم، بلجنة دولية تحقق في مقتل والده، وقال “أطالب بتشكيل لجنة طبية، تضم طبيباً فلسطينياً أميناً لتشريح جثة أبي وتبيان الحقيقة”، مضيفاً “أبي دكتور في العلوم السياسية، ورجل مثقف وواعٍ، فكيف يقدم على الانتحار؟!”. مشككا في الرواية التركية، وأضاف يوسف “أبي سافر إلى تركيا بحثاً عن لقمة العيش، ليبني لنا مستقبلا، وفوجئنا باعتقاله، وصدمنا أكثر بالتهم الباطلة التي وجهت إليه”.
بدوره طالب زكريا مبارك، شقيق المشتبه به المقتول في ظروف غامضة، في تصريحات خاصة لـ”إندبندنت عربية” السلطات التركية بـ”ضرورة محاسبة المتورطين في قتل أخيه”، بحسب تعبيره، قائلاً: “على السلطات التركية تقديم تفريغ فيديوهات السجن أمام العالم، وإثبات أن شقيقي شنق نفسه”، معتبراً أن “مثل هذه الرواية لا يمكن لها أن تمر على أي عقل”.
وكشف زكريا لـ”إندبندنت عربية”، “أنه في الوقت الذي أعلنت تركيا تحقيقات مع شقيقه، لم تسمح السلطات للمحامين بحضور التحقيقات، كما أنه لم يكن هناك أي اعتراف من شقيقه أو كلام بشأن تجسسه لصالح أي دولة في العالم، ومن ثم فقد تمت تصفيته من قبل الجانب التركي”.
وتابع زكريا: “خلال الساعات الأخيرة تواصل معي عدد من المنظمات الحقوقية الدولية للعمل على كشف ملابسات وحقائق التورط التركي في تصفية شقيقي، داعيا الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لكشف الحقيقة وتحويل الملف لمحكمة العدل الدولية للفصل فيه”، وشدد على أن: “إنْ كانت تركيا تزعم أن شقيقي شنق نفسه فعليها تقديم الأدلة وتفريغ الكاميرات داخل السجن، وإذا كانت لديها اعترافات لشقيقي بالتجسس، عليها أيضا تقديم الأدلة على ذلك للعالم”.
وحاولت “إندبندنت عربية” التواصل مع أكثر من مسؤول رسمي تركي للرد على اتهامات شقيق “المشتبه به” دون رد من أحدهم.
من جهته، قال السفير الفلسطيني في تركيا فائد مصطفى، إن “الجانب التركي أبلغ السفارة رسمياً بأن المعتقل الفلسطيني زكي مبارك حسن وجد منتحراً في السجن”، مضيفاً أن “السفارة بانتظار نتائج تشريح الجثمان”، وفقاً لوكالة سما الفلسطينية.
صورة تجمع بين المشتبه بهما بالتجسس (رويترز)
من هما المتهمان؟
وفق الرواية التركية، التي نقلتها تقارير صحافية تركية، خلال الأيام الماضية، عن مصادر مجهولة الهوية، فإن النيابة التركية، وجهت إلى كل من سامر سميح شعبان، 40 عاماً، وزكي يوسف حسن، 55 عاماً، وهما مواطنان فلسطينيان، ويحملان جوازي سفر فلسطينيين، تهمة الحصول على معلومات سرية خاصة بالدولة بغرض التجسس السياسي والعسكري، وهو ما نفاه زكريا مبارك، شقيق المشتبه به المقتول في ظروف غامضة.
وتشير التحقيقات، وفقاً للائحة الاتهام التي أعدّها المدعي العام الجمهوري في إسطنبول، إلى أن التحقيقات التي بدأت عقب تعقّب اتصالات أجراها أحد المسؤولين الفلسطينيين السابقين في دولة الإمارات، مع أفراد يقيمون داخل تركيا، زعمت أن زكي يوسف حسن كان أحد المسؤولين الكبار في جهاز الاستخبارات الفلسطينية، وانتقل بعد تقاعده من العمل إلى بلغاريا مع عائلته، قبل أن يتوجه إلى إسطنبول، ويعمل في التجسس بتوجيهات من المسؤول الفلسطيني السابق.
أمَّا سامر سميح شعبان فقد انتقل، وفقاً للرواية التركية، من غزة إلى إسطنبول عام 2008، عقب اشتعال الأزمة بين حركتي فتح وحماس.
اندبندنت