القضية تحوّلت من مكافحة الفساد إلى حرب بين القضاة أنفسهم
مروى غاوي – المرصد اونلاين
تضجّ العدليات بأخبار لم تألفها قصور العدل في تاريخها عن كفّ يد قضاة عن متابعة ملفات وإحالات على المجلس التأديبي في إطار ما يُعرف بالحملة لتنظيف الجسم القضائي من الفساد.
وفق أوساط مطّلعة على ما يحصل فإن عدد القضاة الذين تدور حولهم شبهات غير مؤكد أو ثابت بعد مع ترجيح عشرة أسماء من أصل 600 قاضٍ يمارسون العمل ويخضع هؤلاء القضاة للمساءلة ولم تتمّ إدانتهم بعد، وقد مثل أربعة منهم أمام هيئة التفتيش القضائي مع موقوفين عسكريين ومدنيين.
الحملة القضائية التي بدأت قبل نحو ثلاثة أسابيع أدّت إلى حالة من الشلل في العدليات المعنيّة وتريّث القضاة في قضايا تتعلّق بالقرارات الظنية وإخلاءات السبيل، كان لها تداعيات سلبية وإيجابية. فالعملية على المدى الطويل تؤدي إلى انتظام العمل القضائي حيث يشعر القضاة للمرّة الأولى أنهم مراقَبون من السلطة السياسية ومن “أهل البيت” القضائي أيضاً وفي الوقت نفسه تركت العملية القضائية تداعيات سلبية في تأخّر البتّ ببعض الملفات.
يضرب حول الإجراءات في قصور العدل طوق كبير من السرية ولولا خروج حرب القضاة بين بعضهم إلى العلن لما كان سيُعرف ماذا يحصل في العدليات، إذ يتمّ التكتّم على التفاصيل بانتظار الإنتهاء من مهمّة التقصّي والبحث في المعلومات المتوفرة ومن ضمن الحرص على عدم تعريض سمعة وهيبة القضاء الذي كانت له أدوار أساسية بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية في محاربة ومحاكمة إرهابيين ومن أجل عدم التشويش على عمل هيئة التفتيش المكلّفة تنظيف القضاء ترابطاً بحملة مكافحة الفساد التي تجري في نطاق واسع في مؤسسات وأجهزة الدولة.
تختلف التُهم التي يُساءل فيها القضاة وإن كانت الشبهة تتعلّق بتقاضي رشى مادية أو تلقّي هدايا لقاء خدمات وأحكام مفخخة من خلال سماسرة لهم صلة بالملفات، وما هو متداول في العدليات أن بعض القضاة صاروا من أصحاب الثروات فتتمّ الإشارة إلى امتلاك أحدهم منزلاً فخماً قيمته ثلاثة ملايين دولار وحساباً مصرفياً كبيراً وعقارات، ويُعرف أيضاً أن أحد القضاة يُسمّى قاضي المسدس استناداً إلى مسدس تلقّاه هدية عربون خدمة بالإضافة إلى قصص طويلة تصلح لمسلسل شيّق في قصة بوليسية وأمنية.
وفق المعلومات المسرّبة من العدليات فهناك مفاجآت كثيرة يُمكن توقّعها إذا اكتملت التحقيقات ولم تحصل تدخّلات سياسية فالقضاة يُحتسبون على مرجعيات سياسية تحميهم وتمنع المسّ بهم، والمفاجآت تستند إلى ما ورد في جعبة بعض الموقوفين المدنيين من أخبار في قضايا معيّنة وهذه الاعترافات هي التي دفعت لحصول الحملة ومساءلة بعد القضاة .
ووفق المعلومات أيضاً فإن القضاة يُساءلون حول التلاعب بملفات لتغيير التوصيف الجرمي ويتمّ سؤال البعض عن مخالفات قام بها مساعدون قضائيون يعملون إلى جانبهم، وقد وردت في عدد من الشكاوى أسماء ضباط ومحامين تقاضوا رشى لإطلاق موقوفين بتهم مخدرات، وكان توقيف شخصية نافذة في الوسطين الأمني والقضائي هو الذي فتح الشهية على الحرب المفتوحة لتطهير القضاء فضلاً عن قضية تهريب أحد الموقوفين بتهمة مخدرات.
لا أحد يعرف أي مسار ستسلكه الحملة بعد فترة والتساؤلات مشروعة، هل لائحة أسماء القضاة التسعة الموقوفين عن العمل صحيحة، وهل يُرفع الغطاء للمحاسبة وكيف ستحصل؟ وهل هي همروجة تنتهي مثل سائر الملفات التي تُفتح وتُقفل فجأة؟ وهل سيُطلب من القضاة المشتبه بهم الاستقالة من العمل؟ وماذا عن القضاة الذين خرجوا إلى التقاعد بثروات هل سيتمّ سؤالهم عن مصدر هذه الثروات؟
أخطر ما في الامر أن القضية بدأت بالانحراف عن مسار مكافحة الفساد وتحوّلت إلى حرب بين القضاة أنفسهم في محاولة كل قاضٍ حرق أوراق زميل له وتسجيل نقاط رابحة في مرمى غيره، الأسوأ من ذلك أن المساعدين القضائيين تحوّلوا إلى محرقة في هذا الصراع.
أوساط وزير العدل ألبرت سرحان تؤكد أن الحملة مستمرّة وتصف ما يحصل بأنه ليس موجّهاً ضد أحد و”نحن لسنا بصدد ملاحقة قضاة بل محاسبة عدد منهم على أخطاء وهفوات ارتكبوها”.
تُصرّ أوساط سياسية متابعة للملف أن رئيس الجمهورية يتابع عملية إصلاح القضاء حيث يستضيف القصر الجمهوري مؤتمراً قضائياً بعنوان “نحو عدالة أفضل” وتتبعه تعيينات ومناقلات قضائية بمعايير شفّافة وبدون محسوبيات سياسية أو طائفية.