قضايا الارهاب

مواجهة التطرف بالحريات والازدهار

يصعب، إن لم يكن مستحيلا، بناء الاعتدال ومواجهة التطرف من غير مجتمعات ومدن متماسكة ومستقلة تفكر وتبحث عن وعيها لذاتها، ولن يفيد هذه البرامج أن تكون تقدمية وأن تخصص لها الموارد إذا لم تتقبلها وتحملها المجتمعات، والمجتمعات أيضا لن تكون قادرة أو مؤهلة لاستيعاب الإصلاح والاعتدال وحملهما إذا لم تكن تشعر بالحاجة إليهما وتبحث بالفعل عن وعيها لذاتها وما تحتاج إليه وما لا تحتاج وما تريده وما لا تريد، فالإصلاح ببساطة هو ما نحب وما يجب أن نكون عليه.

إذا كنا نقدر أن الأسرة هي المؤسسة الأكثر حضورا في العمل الاجتماعي في مرحلة الشبكية وأنها سوف تحمل جزءا كبيرا من العمل التعليمي والرعاية الصحية والاجتماعية، فلا يمكن تصور أن تؤدي الأسرة دورا إيجابيا في مواجهة التطرف إلا إذا كانت أسرة متماسكة وناجحة ولديها الوعي الكافي والمهارات اللازمة لإعداد الأطفال وحمايتهم من التطرف والهشاشة، ولا يكفي بالطبع أن تكون الأسرة متحمسة لمواجهة التطرف إذا كانت مفككة أو لا تقدم الرعاية الشاملة لأبنائها في التنشئة والتعليم والرعاية والمنعة بشكل عام.

والمؤسسات الاجتماعية والتعليمية التي تعمل في مجال الأطفال والأسر في حاجة إلى ملاحظة العلاقة بين التطرف والأزمات الأسرية والاجتماعية الاقتصادية، مثل الفقر والتفكك الأسري، فإذا كان أولياء الأمور على درجة من الهشاشة أو عدم القدرة على إدراك المخاطر والمسؤوليات أو استيعاب الأطفال واكتساب ثقتهم، وهنا تكون مسؤولية المؤسسات الرسمية والمجتمعية والبلديات أن تبذل ما يمكنها من حماية الأطفال ومساعدة الأسر على أداء دورها.

يظل التعليم بطبيعة الحال هو المدخل الأساسي للإصلاح وتفعيل المجتمعات، لكن يجب الملاحظة أن المدرسة تفقد مركزيتها السابقة في مقابل صعود الأسرة، لكن تظل المدرسة حلقة أساسية وكبرى للتعليم وبناء شخصية التلاميذ الاجتماعية وصداقاتهم ومستقبلهم المهني، وفي الوقت نفسه فإن المدارس تشكل مسرحا خطيرا للهشاشة.

في رسالة المدرسة، فإنها يجب أن تشغل أو تزيد اشتغالها بالمواهب والمهارات الإبداعية والحياتية في الكتابة والفنون والموسيقى والمسرح والرياضة والعمل التطوعي وخدمة المجتمع، وتشجيع الفكر الناقد والحوار والجدل والنقاش بحرية واسعة. والاستماع إلى أفكار التلاميذ وآرائهم مهما كانت، والاهتمام بها، وتشجيع الفكر الإيجابي والتأكيد المتواصل على الاعتدال والتسامح والتعاون والاحترام لجميع الناس على اختلاف أوطانهم وأديانهم وثقافاتهم.

يجب عدم الاعتماد بشكل رئيسي على الخطاب الديني المعتدل رغم أهميته والتأكيد على ربط المواجهة بالمصالح الوطنية ومواجهة الأعداء أيا كانوا، والتصدي للمخاطر على الدولة ومواطنيها ومصالحها من أي مصدر كان. وثمة خوف كبير أن يتفوق المتطرفون في خطابهم الديني ذلك أنهم أكثر دأبا وجهدا في توضيح أفكارهم وإسنادها بالأدلة المعتمدة في الخطاب الديني السائد والتقليدي.

والإعلام يواجه أزمة كبرى سواء في قدرته على التكيف مع الشبكية أو في المحتوى الذي يقدمه، لكن يظل الحديث عن رسالته وضرورة تطويره ضروريا، وإن كنا لا نعرف إلى أين تتجه المؤسسات الإعلامية، عدم اليقين هذا يربكنا ولكن لا يجوز أن يمنعنا أو يحبطنا أو يدفعنا إلى الانتظار، لأننا بالمشاركة في التطوير والمراجعة نحدد المستقبل، ذلك أن مآلات المؤسسات الإعلامية ليست قدرا حتميا، كما تتشكل اتجاهات ملائمة للشبكية مثل الإعلام المتخصص في محتواه أو في الفئات المستهدفة، وتنشئ شبكات التواصل الاجتماعي قنوات تواصل وتأثير جديدة بدأت تأخذ مكانة مهمة في الإعلام، وحتى المؤسسات الإعلامية الكبرى تلجأ إلى شبكات التواصل لزيادة وتفعيل خدماتها ورسائلها.

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button