مخاوف من تحول لبنان إلى ساحة صراع مفتوحة بين واشنطن وطهران
تحذر أوساط سياسية من أن لبنان بات في مهب عاصفة قد تهدد كيانه، في ظل مؤشرات عدة توحي بأنه مرشح لأن يكون إحدى ساحات الصراع المقبلة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة ثانية.
وتوعد القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري الأحد باستهداف حزب الله اللبناني للعمق الإسرائيلي قائلا في هذا الصدد “إن صواريخ حزب الله باتت تغطي جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
وجاء هذا التهديد قبل أيام قليلة من جولة ينتظر أن يقوم بها هذا الأسبوع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى المنطقة وتشمل إلى جانب الكويت كلا من إسرائيل ولبنان، وتأتي استكمالا لزيارة مساعده للشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد بداية الشهر الجاري.
وكان ساترفيلد، قد تحدث خلال زيارته إلى بيروت بأن موقف بلاده من لبنان يبقى رهين خيارات حكومته دون أن يقدم المزيد من التفاصيل وإن كان متابعون اعتبروا أن حديثه موجه أساسا لحزب الله الذي عزز مشاركته الحكومية بثلاث حقائب وزارية بينها حقيبة أساسية، في ما بدا توجها جديدا من الحزب لتكريس نفوذ سياسي أسوة بنفوذه العسكري.
ويخشى اللبنانيون من أن تعمد إيران عبر ذراعها حزب الله إلى الزج بلبنان في حرب جديدة مع إسرائيل، في محاولة لإعادة خلط الأوراق بغية تخفيف الضغوط الأميركية المتصاعدة ضدها، وما يعنيه ذلك من تكرار لسيناريو حرب 2006 حينما عمد الحزب إلى خطف جنود إسرائيليين بالقرب من الحدود اللبنانية، لتندلع حرب كلفت اللبنانيين كثيرا بشريا وماديا.
ويقول خبراء عسكريون إن أي حرب مقبلة بين حزب الله وإسرائيل لن تكون كسابقاتها، لجهة تزايد الرفض الدولي لسلوكيات الحزب، فضلا عن كون الولايات المتحدة لن تقتصر هذه المرة على الموقف الدبلوماسي.
وغرد النائب السابق لرئيس مجلس النواب فريد مكاري عبر حسابه على “تويتر” قائلا “مشكور قائد الحرس الثوري الإيراني على أنه بشرنا بأن صواريخ حزب الله صارت تغطي كل الأراضي الفلسطينية المحتلة. تصريحه يعري الدولة اللبنانية التي تغطي تسلح حزب الله بدلا من أن تغطي بسيادتها كل الأراضي اللبنانية”.
وأضاف في تغريدة أخرى “إذا شاءت إيران، فلتقصف إسرائيل بنفسها بصواريخها. نحن لا نريد التورط في حروب جديدة لحساب إيران”. ويشكل حزب الله اللبناني إحدى أبرز أذرع إيران في المنطقة، وتعمد طهران إلى ابتزاز إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة، من خلال التلويح بقوة الحزب الذي بات يملك ترسانة عسكرية ضخمة تضم أسلحة دقيقة.
وتلفت الأوساط إلى أن إيران تمارس عملية لي ذراع مع الجانبين الأميركي والإسرائيلي، اللذين يحاولان تطويقها، وإن كان ذلك على حساب لبنان. وتقول الأوساط السياسية إن عملية استعراض القوة التي مارسها قائد الحرس الثوري الإيراني لن يكون المتضرر منها سوى اللبنانيين المنشغلين اليوم بمعارك شعبوية حتى أن بعضهم بات يهدد بإسقاط الحكومة الوليدة وكأن “البلد يحتمل مثل هذه المغامرات”.
وكان وزير الخارجية جبران باسيل قد هدد في خطاب له في ذكرى 14 آذار (مارس) بإسقاط الحكومة حين تطرق إلى الملفات الخلافية المطروحة وعلى راسها ملف النزوح السوري.
ويرى كثيرون أن تصريحات باسيل بدت متماهية إلى حد كبير مع أجندة حزب الله ومن خلفه إيران، فهو يحاول من خلال هذا التصعيد اللافت التسويق إلى أن حلفه صاحب الكلمة الطولى ويريد إخضاع رئيس الوزراء سعد الحريري الذي قدم على مدار الأشهر الماضية الماضية تنازلات مكلفة، حتى أنه لم يعد بوسعه التنازل أكثر لأن ذلك سيعني إسقاط لبنان بالكامل في يد إيران والنظام السوري.
ويعود الخلاف بين باسيل والحريري الذي اتخذ في اليومين الأخيرين منحى تصاعديا على وقع تبادل الاتهامات بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، إلى استثناء وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب المحسوب على الحزب الديمقراطي بقيادة طلال أرسلان المقرب من النظام السوري من حضور مؤتمر بروكسل 3 الذي انعقد الأسبوع الماضي وركز على دعم اللاجئين السوريين في الداخل والخارج.
واعتبرت القوى التي تدعم عودة النازحين وفي مقدمتها التيار الوطني الحر أن استثناء الغريب عكس توجها دوليا نحو إبقاء النازحين، وتكرس هذا الموقف من خلال حجم الدعم الذي تقدم للدول المضيفة (أكثر من 5 مليارات دولار).
وكان باسيل قد اعتكف ورفض المشاركة في المؤتمر مصرحا الخميس “إنني هنا (في لبنان) ولست في بروكسل لأن مؤتمرات مثل مؤتمر بروكسل تمول بقاء النازحين ونحن نريد مؤتمرات تعيد النازحين إلى سوريا”.
ويرى محللون أن هناك عملية توزيع أدوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر، ففيما يرفع الأخير ملف النازحين كعنوان رئيسي يرفع حزب الله مكافحة الفساد كسلاح آخر لضرب خصومه.
ويقول المحللون إن الطرفين يقومان بمغالطة كبيرة للرأي العام الداخلي ذلك أن باسيل يتخذ من وجوب عودة سريعة للنازحين ذريعة لتطبيع لبنان العلاقات مع النظام السوري (وللمفارقة فإن دمشق ليست متحمسة لاستقبالهم)، أما الحرب التي أعلنها حزب الله على الفساد وشدد عليها مرارا وتكرارا وآخرها على لسان نائب الأمين العام نعيم قاسم الأحد فهي حرب انتقائية المستهدف منها هو تيار المستقبل ورموزه.
ويلفت هؤلاء إلى أن أولى خطوات محاربة الفساد تكمن في استعادة الدولة لسيادتها، عبر نزع السلاح غير الشرعي الذي يملكه الحزب والذي صار يشكل خطرا على الدولة، ويضيف المحللون أن حزب الله أراد من هذا الملف شن حملة استباقية في ظل مخاوف من تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية لتسليم أسلحته للدولة اللبنانية.
وحذر وزير العدل الأسبق اللواء أشرف ريفي الأحد من أن ما يجري اليوم بعد أشهر من تعطيل تشكيل الحكومة ومن ثم تشكيلها بتوازنات مختلة، يثبت أن فريق السلاح وحلفاءه يريدون قضم الدولة وضرب الطائف، وتشريع أعراف مخالفة له، وتعميم الفساد.
وقال “إن ما قاله الوزير جبران باسيل عن تطيير الحكومة يعكس هذه النوايا مجتمعة، وهذا أمر مرفوض، ويتجاوز صلاحيات وزير أو فريق ممثل في الحكومة، ولا يُستشف منه إلا سلوك الاستقواء بالسلاح للإطاحة باتفاق الطائف”.
وتقول الأوساط السياسية إن استعراض القوة الذي يمارسه باسيل وحزب الله في الداخل اللبناني، يصب في ذات
صحيفة العرب