باسيل لوّح بإسقاط الحكومة بعد خلاف مع الحريري على التعيينات والكهرباء والنازحين.. فردّ “المستقبل بعنف
خرج الصراع داخل الحكومة اللبنانية إلى العلن مرة أخرى أمس وبات يطرح الأسئلة حول قدرة فرقائها على حفظ الحد الأدنى من تماسكها في التعاطي مع الملفات الشائكة التي تواجهها، وحول مدى صمود التسوية الرئاسية بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و”التيار الوطني الحر” وحلفائه، وبين زعيم تيار “المستقبل” رئيس الحكومة سعد الحريري، بعد أن تبادل الجانبان الحملات العنيفة سواء مباشرة كما فعل رئيس “التيار الحر” الوزير جبران باسيل، أو بطريقة غير مباشرة عبر محطة “المستقبل” التلفزيونية الناطقة باسم الحريري وتياره، كما حصل أمس مجددا.
فبالإضافة إلى أن باسيل اتهم مؤتمر بروكسيل حول النازحين السوريين، الذي ترأس وفد لبنان إليه الحريري، بتمويل بقاء النازحين في مكانهم مبررا بذلك عدم حضوره المؤتمر، لوّح في خطابه ليل أول من أمس في ذكرى 14 آذار بإسقاط الحكومة حين تناول الملفات الخلافية المطروحة عليها.
إذ قال باسيل: “أو عودة النازحين أو الحكومة، أو نطرد الفساد عن طاولة مجلس الوزراء، أو لا حكومة، إما عجز الكهرباء صفر، أو حكومة صفر ولا حكومة”.
خلافات على ملفات
وفي وقت اعتبرت مصادر نيابية وأخرى مراقبة أن هذا تهديد مبطن إلى الحريري بإمكان انسحاب “التيار الحر” من الحكومة، لإسقاطها، باعتبار أن لدى تياره 11 وزيرا (الثلث زائدا واحدا) فيها من أصل 30 وزيرا، أشارت مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ”الحياة” إلى أن الكلام العالي النبرة لباسيل يعود إلى خلاف كبير حصل بينه وبين الحريري حين التقيا في منزل الأخير زهاء 4 ساعات الأربعاء الماضي، وتناولا عددا من الملفات المطروحة على مجلس الوزراء في المرحلة المقبلة، منها الإسراع في معالجة عجز الكهرباء حيث ترددت معلومات أن باسيل وفريقه عاد لطرح فكرة استخدام البواخر لزيادة إنتاج الطاقة الكهربائية، في مرحلة انتقالية قبل تلزيم بناء معملين في سلعاتا والزهراني، وتأهيل معمل الجية، في وقت بات الحريري الذي أيد سابقا البواخر ميالا إلى تلزيم إقامة المعامل نظرا إلى الاعتراضات على كلفة البواخر. وأضافت معلومات المصادر السياسية الواسعة الاطلاع لـ”الحياة” أن باسيل طالب في لقائه الحريري أن يحصل “التيار الحر والرئيس عون على حق تسمية الأشخاص المرشحين من الطوائف المسيحية، لتعيينهم في المواقع الإدارية التي ستتخذ الحكومة قرارات في شأنها في الأسابيع المقبلة. وأوضحت هذه المصادر لـ”الحياة” أن باسيل سعى إلى أخذ موافقة الحريري على أن يسمي “التيار معظم هؤلاء ليس فقط في وظائف الفئة الأولى، بل في الفئتين الثانية والثالثة أيضا، ما يعني الحؤول دون أي دور فاعل للقوى السياسية المسيحية الأخرى، أي حزب “القوات اللبنانية” وتيار “المردة” الذي يترأسه الوزير السابق سليمان فرنجية، وحزب “الكتائب”، في هذه التعيينات.
وكشفت المعلومات أن الحريري لم يوافق باسيل على طلب باسيل الاستئثار بالتعيينات، لأنه لا يمكنه تجاهل جعجع نظرا إلى علاقة التحالف بينه وبين “القوات” (له 4 وزراء في الحكومة)، ولا فرنجية الذي لوزير الأشغال يوسف فنيانوس الذي يمثله في الحكومة دور وصلاحيات في عدد من المواقع، ولا الكتائب أيضا.
ولفتت المصادر المطلعة “الحياة” إلى إشارة باسيل في خطابه إلى ملف الكهرباء حين قال: “أرقام سيمنز والبواخر وسورية ومتعهد من هنا ومن هناك انكشفت. المعيار الوحيد هو السعر الأنسب، ليس مهما من داخل لبنان او من خارجه، من سورية، الاردن أو مصر، المهم السعر الأرخص وبمناقصة علنية”. واستغربت المصادر إياها كيف يقحم باسيل شركة “سيمنز” والدول التي عرضت مساعدة لبنان لمعالجة أزمة الكهرباء في مناسبة عشاء يقيمه تياره في ذكرى 14 آذار. ولمحت إلى أن هذه الإشارة منه ربما تكون جاءت ردا على معطيات بأن الشركة الألمانية التي كانت أبدت استعدادا للمشاركة في معالجة ملف الكهرباء أثناء مرافقة مديرها التنفيذي المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل لبنان السنة الماضية، خلال زيارتها الشهيرة إلى بيروت.
ولطالما كان ملف الكهرباء موضوع تجاذب في السنتين الماضيتين وخلال حكومة الحريري السابقة، (التي كان الأخير موقفه أقرب إلى موقف باسيل)، بين “التيار الحر” الذي يمسك حقيبة الطاقة منذ زهاء 10 سنوات.
وترى المصادر أن كلام باسيل أول من أمس أثار حفيظة “المستقبل” فجاء الرد عليه من مقدمة النشرة الإخبارية السياسية لمحطة “المستقبل”، فكان عنيفا وتناول مواقف استعادها باسيل بقوله إن “الإبراء المستحيل” صار قانوناً (الكتاب الذي أصدره “التيار الحر” عام 2013 متهما فيه مرحلة الحريرية السياسية بالفساد في مرحلة اشتداد الخلاف السياسي بين التيارين، وقبل التسوية الرئاسية عام 2016).
تلفزيون “المستقبل”
وجاء في مقدمة “المستقبل”: “تصريحات تنسى البيان الوزاري الذي نالت الحكومة على اساسه ثقة المجلس النيابي، وتضرب عرض الحائط بمبدأ التضامن الوزاري، لتغطية السموات بالقبوات.
خطاب اعتبر أن مؤتمر بروكسل للنازحين السوريين هدفه تمويل بقائهم في مكانهم وتجاهل أن معالجة هذا الملف تمر بالتفاهم مع المجتمع الدولي عبر العودة الآمنة التي اقرتها قمة بيروت وتضمنها البيان الوزاري للحكومة، وعبر تأمين المساعدات ليواجه لبنان الأعباء الاقتصادية والاجتماعية لهذا اللجوء.
أضافت محطة “المستقبل”: “فليتفضل مقدمو أوراق الاعتماد للممانعة بإعادة النازحين، فلا أحد يمنعهم وهم يوفدون الوزراء الى دمشق، فوق التفويض الرسمي المعطى الى اللواء عباس ابراهيم بالتنسيق مع الجانب السوري، إضافة الى المبادرة الروسية التي تتعاون معها الحكومة.
ألا يزعمون ان العلاقة مع سورية طبيعية، متجاهلين موقف الجامعة العربية، وأنّ لبنان جزء من هذه الجامعة ويلتزم ميثاقها؟ فهم يريدون تطبيع العلاقة مع نظام بشار الاسد الذي يضع رئيس حكومتهم على لوائح الإرهاب وأرسل ميشال سماحة محملا بمتفجرات الحب والعلاقات الأخوية، وهو نفسه من فجر مسجدي التقوى والسلام حاصدا أكثر من خمسين شهيدا لبنانيا…
يعرفون ان هذا الملف غير قابل للمساومة، وأن الفساد يبدأ هنا، ولا تنازل عن الثوابت. قالها منذ زمن رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري.
اما الكلام عن محاسبة الفساد وادعاء البطولات داخل مجلس الوزراء في وقف صفقات ومناقصات فهي مزحة سمجة. والأحرى الالتزام بالقوانين عبر الأفعال بدلا من الشعارات الفارغة، وهذا ملف فتح ولن نُغلقه، مهما اشتدت محاولات الضغط، وآخرها ما يحصل في القضاء عبر حصر صلاحية ملفات مكافحة الفساد بالنواب العامين”.
وختمت: “أخيرا، يقولون إنّ الابراء المستحيل أصبح قانونا، وهم يعرفون أنه الافتراء المستحيل، وأن واضعيه قدّموه أوراق اعتماد لدى حزب الله، ضمن أجندات خاصة لا علاقة لها بالاستقامة السياسية. أوراق اعتماد متناثرة لن توصلهم الى مكان فيما هم غير آبهين انها قد تمنع البلد والعهد من اي انجاز”.
وكان الحريري استند في خطابه في بروكسيل إلى نص البيان الوزاري في شأن ملف النازحين.
وهي المرة الثانية التي يرد تيار “المستقبل” عبر شاشته التلفزيونية على استهدافه، إذ سبق له أن رد حمل على استهداف رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة في مسألة الحسابات المالية، التي أثارها “حزب الله” وأيدته وسائل إعلام “التيار الحر”.
ونشطت الاتصالات ليل أمس من أجل تطويق الخلاف، خصوصا أنه تصاعد قبيل زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو في 22 الجاري إلى بيروت، والتي تطرح فيها مسائل حساسة تتطلب موقفا لبنانيا موحدا حيالها، ثم زيارة الرئيس عون إلى موسكو في 25 و26 الجاري.
المصدر : وليد شقير – الحياة