لبنان

شكرًا للعقوبات الأميركية

لطالما كنّا ننتقد سياسة حزب الله وتحالفاته التي لم تكن تراعي موضوع الفساد والفاسدين، ولطالما كان حزب الله الموجود منذ سنوات وسنوات في الندوة البرلمانية وعلى طاولة مجلس الوزراء، وتمر من أمام عينيه كل الصفقات والسمسرات وعمليات النهب، فيغض عنها الطرف ويصم أذانه من دون أن ترف له جفن. 

في الوقت الذي كنا نحن الفقراء المتروكون على قارعة الوطن نرفع الصوت في وجه كل الفاسدين ومن كل المذاهب والطوائف، ونحمل حزب الله مسؤولية المشاركة ولو بالصمت والرضى، كنا نُستهدف ونُتهم ونُخوّن، فكنّا شيعة سفارة مرة، وحاقدون مرات ونستهدف “المقاومة” مرات ومرات، فقط لأننا كنا نقول بأن الراضي بفعل قوم هو كالداخل فيه معهم.

لم يكن حزب الله طيلة السنوات الماضية يشعر بأوجاعنا ولا يحسّ بآلامنا، بل أكثر من ذلك كان يعتبر أن إفقار “دولتنا” وفسادها، هو بمثابة عنصر قوة “لدولته” فمن خلال تشلع مؤسسات الدولة كان يتسلل إلى فقر الفقراء ويغدق على من يريد إستمالته بما تيسر من المال الإيراني الحلال فيبني جمهوره وقواعده.

ولم تكن الشريحة المنتمية إليه، تشعر بما نشعر، بل كانوا في كوكبهم الآخر (فطالما إيران بخير نحن بخير، وطالما بإيران في فلوس نحن معنا فلوس)، فلا الفساد يعنيهم ولا الفاسدين يسرقون من أمامهم وأمام أولادهم.

هذه الاستفاقة المفاجئة لمحاربة الفساد والتي أمامها تهافتت كل تلك التبريرات التي كانت تساق لنا كردّ على انتقاداتنا بأن الحزب لديه أجندته الكبرى واهتماماته الدولية والإقليمية وهو غير معني بما يجري بالداخل اللبناني، وأنه حزب يصارع قوى الاستكبار العالمي وليس مستعدًا للدخول “بصغائر الامور” التي قد تتسبب بفتن داخل الطائفة الشيعية أو بفتن مذهبية هو بالغنى عنها!!! 

كل هذه الادعاءات والتبريرات سقطت فجأة، وسقطت معها كل التحفظات والحسابات والاعتبارات وهذا أمر جيد، لو أنه منطلق من إحساس حقيقي بالدفاع عن لقمة المواطن اللبناني، ومن خلفية الايمان بأهمية قيام دولة المؤسسات والقوانين التي عليها مسؤولية تأمين حاجات مواطنيها مهما كان انتمائهم وميولهم.

أما أن يتحول الحزب إلى محارب شرس للفساد والفاسدين، ويرفض الآن كل ما كان مسكوتًا عنه، فقط لأنه هو يمر بضائقة مالية ووصل الموس إلى لحيته هو بسبب العقوبات الأميركية عليه، ولأنه يحتاج إلى موارد مالية بديلة عن تلك التي كانت تصله من إيران فهذا لعمري شيء يثير الحذر والقلق في آن، لأن المعادلة حينئذ هي “لو عادت الاموال الايرانية لعدنا إلى سكوتنا”. 

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالخشية الآن وبسبب حاجة الحزب إلى المال بأن تكون الغاية من رفع راية “محاربة الفساد” هي محاولة حجز مقعد له على طاولة توزيع المغانم والحصص وأن يكون كل هذا الصريخ المفاجىء هو للقول لمن يعنيهم الأمر أن لاعبًا جديدًا يريد الدخول إلى الحلبة فافسحوا يفسح الله لكم.

وحتى نحسن الظن، دعونا نستبشر خيرًا بأن حزب الله وبسبب حاجته وحاجة بيئته إلى تأمين الحد الأدنى من الخدمات عبر مؤسسات الدولة التي كانت غائبة ومغيبة، فهو الآن جدي بما يقول، ووصل إلى قناعة بأن ما كنا نقوله هو السبيل الأنجع لتحصين المجتمع وحماية الوطن، وهنا لا نستطيع إلا توجيه الشكر إلى العقوبات الاميركية التي لولاها لما كنا سمعنا من أمين عام حزب الله كلمة عن الفساد ولا عن من يفسدون.

عماد قمحية – لبنان الجديد

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button