وصفة حزب الله السحرية في مقاومة الكساد المالي
عندما يتّفق الضّجر مع الأرق ويجتمعان ليلا عند رأسي، اتّخذ عادة قرارات سيئة للغاية وكأني بنفسي أسعى وراء عقاب ما للذات. تلك الذات التي لم يسعفها ظلام الليل ولا سكون البيت لأخذ قسط من الراحة. ومن القرارات السيئة التي اتّخذتها منذ ليلتين هي مشاهدة شرائط مصوّرة تجمع بين الابتسامة العريضة والبلاغة في التعبير والرعب، ولم أجد مادة تتوفّر فيها كلّ تلك العناصر سوى الفيديوهات التي يعجّ بها موقع يوتيوب بفضل فصاحة السيد حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله اللبناني.
تعوّد نصرالله النّسج على منوال الشخصيات السياسية الإيرانية التي تأثر بها. فهو يحب الكلام ويبيعه للناس قصد السيطرة على أفئدة المناصرين والمتعاطفين من لبنان وأنحاء العالم. لعل هذا ما يفسر تواجد المئات من الفيديوهات بين مقابلات تلفزيونية وحوارات وكلمات ألقاها سماحته في مناسبة ما أو بغير مناسبة.
وما على الباحث عن إجابات وافية لأيّ تساؤلات عن ظاهرة الإرهاب التي أرّقت الناس في الشرق وفي الغرب إلّا أن يعود ليتمعّن في تصريحات نصرالله الذي لم يبخل علينا بالشرح والتحليل. في سنة 1993 قدّم الأمين العام لحزب الله شرحا مبسطا لطريقة تفكير الانتحاريين وذلك خلال حوار تلفزيوني مع الصحافي البريطاني روبرت فيسك.
بحسب نصرالله في ذلك المقطع، الحياة الدنيا تماما كالحمام البخاري (سونا) الذي نمضي فيه وقتا حتى نشعر بالتعب والعطش فيأتي أحدهم – كنصرالله مثلا – ليقنعنا أننا إذا فتحنا الباب أو بالأحرى قتلنا أنفسنا وسفكنا دماء غيرنا سندخل حتما “إلى غرفة ناعمة، هادئة” أين ينتظرنا “الكوكتيل والكلمة الطيّبة والموسيقى الكلاسيكية”.
طبعا سماحته لا يتحدث في شرحه ذاك عن الدماء والأشلاء وعن موسيقى النحيب والمرارة وكأنها تفاصيل هامشية لا قيمة لها عنده، تماما كما لا قيمة تذكر للروح البشرية في فكر الميليشيا المدعومة من طهران.
ألم أقل منذ البداية أنّ سماحته بارع في تجميل الرّعب بابتسامة عريضة؟
بعد الاستماع للمقطع المذكور ولمقاطع أخرى، تساءلت بيني وبين نفسي عن المادة التي يمكن أن يتعاطاها الإنسان ليقدح بمثل هذا الكلام ويشرّع للقتل. وعند السؤال، تذكّرت “كاساندرا”. وهل لنا أن ننسى اسما كاسم “كاساندرا” بإيقاعه الرنّان والغريب على ثقافتنا؟ وأنا طبعا لا أتحدث هنا عن المسلسل الفنزويلي الذي حقق نجاحا مذهلا في التسعينات بعد أن تمت دبلجته للعربية، ولكني أتحدث عن “مشروع كاساندرا” الذي تسترت عليه إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في سعيها للتوصل إلى اتفاق نووي مع طهران.
وبحسب الوثائق المتوفرة فإن “مشروع كاساندرا” كان قد انطلق في سنة 2008 بعد أن تمكنت إدارة مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة من جمع عدد من الأدلة التي تشير إلى تحوّل جذري في طبيعة النشاط الذي يقوم به حزب الله.
ويرى المحققون الأميركيون أنّ الجماعة اللبنانية قد تحوّلت في السنوات الأخيرة من منظمة عسكرية وسياسية في الشرق الأوسط إلى عصابة دولية تجني سنويا مبلغا يقدر بمليار دولار من عمليات تشمل ترويج المخدرات والاتجار بالأسلحة وتبييض الأموال وعددا من الأنشطة الإجرامية الأخرى.
تتبّع المحققون في الولايات المتحدة شحنات الكوكايين وهي تتنقل من أميركا اللاتينية إلى غرب أفريقيا ثم إلى أوروبا ومنها إلى دول الشرق الأوسط. وبتعقب المعاملات تبيّن لهم تبييض الأموال من خلال عدد من الأساليب المعقدة كشراء السيارات الأميركية المستعملة وشحنها إلى غرب أفريقيا. وفي النهاية وبعد قرابة 8 سنوات من التحقيق، توصل العاملون على الملف إلى استنتاج خطير يقول بالتورط المباشر للدائرة الأعمق في حزب الله والجهات الراعية له في إيران.
ولعلنا هنا قد نبدأ فعلا برصد حقيقة حزب اللّه بعيدا عن غطاء “المقاومة” وترهات الإسلام السياسي والشعارات الرنّانة التي تجعل من القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية العادلة مجرد غلاف لتسويق الإجرام بهدف تمويل التنظيم وأنشطته لا غير.
وفي حديثنا عن المخدرات لن نسهب في تناول ملف مزارع الحشيش في منطقة البقاع اللبنانية وذلك في نفس الوقت الذي مازالت فيه الدولة عاجزة عن تنفيذ قوانينها وتأمين مزروعات بديلة. ولن نتوسع في مسألة الرياء وربما الخوف الذي سمح للبعض بسجن وتغريم مستهلكي الحشيش مقابل التغاضي عن تطبيق القانون في مناطق تنتج المخدر وتقع تحت نفوذ حزب الله.
وإن لم نسهب في موضوع المخدرات فلا ملامة علينا في ظل تواجد قائمة طويلة من النشاطات الإجرامية الأخرى التي يقوم بها حزب الله بهدف خلق وتنويع مصادر التمويل. إذ لا يخفى على أحد أنّ الميليشيا التي كانت أساسا مدعومة من إيران وسوريا، قد وجدت صعوبات فعلية في السنوات الأخيرة وخاصة بعد اندلاع الحرب السورية وفي إثر تشديد العقوبات على طهران.
والتقارير الإخبارية والأمنية كانت قد أشارت في أكثر من مناسبة إلى تورط عدد من الشخصيات البارزة في حزب الله في نشاطات إجرامية، بما في ذلك الاتجار بالبشر. ففي سنة 2016، كشفت السلطات اللبنانية عن شبكة دعارة كبيرة تستخدم أساسا نساء سوريات ليتضح بعدها تورط علي حسين زعيتر، وهو الذي أشارت إليه وزارة الخزانة الأميركية في مناسبات سابقة كوكيل لمشتريات حزب الله.
وفي منتصف 2018، تم الكشف عن تورط محمد إبراهيم بزي وهو أحد ممولي حزب الله في استخدام الفتيات السوريات اللاتي يتم جمعهن من مخيمات اللاجئين وذلك للمتاجرة بهن لاحقا بهدف جمع المال ومساعدة حزب الله. وآخر صيحات الفساد دوّت منذ أيام بعد الكشف عن تورط مسؤول سام في اللجنة الأمنية لحزب الله في إدارة شبكة دعارة في مدينة بعلبك شرق لبنان، وذلك بحسب تقارير إعلامية تمكنا من التثبّت من صحتها بعد التواصل مع مراسل “العرب” من بيروت مكرم رباح.
وكان رباح قد تأسّف في مقالة نشرت له حديثا عن تخاذل الجهات الأمنية في بلاده بعد أن رفض حزب الله تسليم “تاجر الجنس” وتعلّل في ذلك بأحقيته في إجراء تحقيقاته الخاصة واستجواب الشخص الموقوف.
وهنا نقف برهة لنتساءل عن مدى اختلاف الإسلام السياسي في نسخته السنية عن ذاك الذي يطرح نفسه على الساحة السياسية كنسخة شيعية. والواضح أنّ الاختلاف طائفي فقط ولكن الممارسات الإجرامية متشابهة بشكل رهيب وكأنّنا بحزب الله في انسجام تام مع أساليب القاعدة وداعش في تأمين مصادر التمويل.
ولنقلها ببساطة، عند هؤلاء كل شيء يهون في سبيل تحصيل الأموال. كل شيء: الأرواح، الأعراض، مصير الدول وبراءة البؤساء الذين يجدون أنفسهم تارة في أتون الحرب في سوريا وطورا في جحيم العمليات الإرهابية في العراق ومصر وتونس وغيرها من دول العالم.
وعند هؤلاء -حزب الله في النسخة الشيعية وداعش والقاعدة في النسخة السنية – الدّمار وما يخلّفه من فوضى هو فرصة ثمينة لجني ثروات طائلة لن يستفيد منها سوى المتنفّذين والقادة والمسؤولين في تلك التنظيمات الإرهابية. وأمّا الفقراء والبسطاء ممّن نجح هؤلاء في “دمغجتهم” فلن يطالوا شيئا فهم، وإن اعتقدوا عكس ذلك، ليسوا سوى أعواد خشب يقذف بها لإشعال الحروب وإثارة النّعرات الطّائفية.
ونهاية، نقولها لحسن نصراللّه ونمضي: الكلام حلو ووعود شنّ المعارك على الفساد حلوة كما بقية الوعود التي قطعتموها في أكثر من حديث على شاشات التلفزيون ولكن الكلام علقم متى ظل كلاما لا يتحقّق معه سوى تصفيق أنصاركم.
صحيفة العرب