تحت المجهر

بمناسبة مرور عام على سقوط بشار الأسد: شرقٌ جديد يولد من رماد الطغيان

بقلم تادي عواد

عامٌ مضى… لكنه ليس عامًا في تقويم الزمن، بل حقبة مطوية في مسار المشرق، وصدمة تاريخية بحجم أربعة عقود من الحديد والنار والدبابات والمشانق والمجازر والتهجير. عام على سقوط نظام بشار الأسد؛ آخر جدار من جدران الاستبداد الأمني في المنطقة، وآخر معاقل دولة المخابرات التي حكمت بالرعب والمجازر .

اليوم، لا نكتب لنحتفل فقط، بل لنعلن انتهاء زمنٍ كان يعتقد أنه سرمدي، وأن الشعوب محض تفصيل تحت أقدام الطغاة. فها هو النظام الذي بنى سلطته على الدم، ينهار تحت ثقل الدم نفسه. وها هي ماكينة القمع التي صنعت رعبًا لخمسة عقود، تتفكك في لحظة، حين قرر الشعب أن يثور لكرامته

من دمشق إلى بيروت… تحوّل شرق المتوسط

لم يسقط الأسد كنظام فقط، بل سقطت معه شبكة نفوذ عابرة للحدود، امتدت من المزة إلى عنابر المرافئ في بيروت، ومن غرف التعذيب في صيدنايا إلى خلايا التهريب والسلاح في الهرمل، ومن أقبية الأمن السياسي إلى منظومة اقتصاد الحرب وتجار الموت.

إنه سقوط الحارس الذي حمى الفساد، ورعى الميليشيات، وأدار الخراب بوصفه مشروعًا استراتيجيًا. ومع سقوطه، ارتجّ المحور الذي بُني على وهم “انتصار السلاح”، فتكشفت حقيقة نظام الوريث: ورث سوريا، ولم يحكمها…

عام على التحرر من الفيتو الأمني

لأول مرة منذ نصف قرن، يتنفس السوريون والعرب شرقًا جديدًا بلا وصاية دمشقية، بلا تقارير أمنية تصل إلى كل مكتب سياسي وإعلامي، بلا رسائل تهديد عابرة للحدود، بلا قرار مركزي يقرر من يحكم بيروت ومن يُقصى، من يُسمح له بالكلام ومن يُدفن صوته في الزنازين.

سقط الأسد، فسقط معه ذلك الشعور المريض بأن المنطقة محكومة بقيد أبدي لا فكاك منه، وأن التاريخ قرر أن يكون الاستبداد قدرًا، وأن الظلم مصيرًا، وأن السجون قدر الشرق.

لحظة ميلاد… لا لحظة نهاية

إن فرصة المشرق اليوم ليست فقط في سقوط حاكم، بل في سقوط العقلية التي جعلت من الحاكم إلهاً، ومن الجيش أداة قمع، ومن الأمن مشروع دولة، ومن الدولة شركة احتكار عائلية.

اليوم، يمكن للبنان أن يستعيد سيادته بلا ظل أمني فوق رقبته.
ويمكن للعراق أن يتحرر من عبء الوكالة.
ويمكن للأردن أن يتنفس حدودًا مستقرة.
ويمكن لفلسطين أن تخرج من حسابات المساومة والتوظيف.

ختامًا… عام السقوط هو عام الولادة

عام على سقوط بشار الأسد، عام على سقوط أوهام الأبدية، عام على نهاية جمهورية الخوف.
لكنه أيضًا عام بداية: بداية شرق لا يحكمه الضباط، ولا يتحكم فيه جهاز مخابرات، ولا تختطف قراره العائلة والوريث والسلالة.

لقد تأخر هذا اليوم طويلًا…
بُذلت دماءٌ بلا حد…
وتشرد الملايين…
لكن الحقيقة بقيت راسخة:

الشعوب حين تقرر… لا تنتصر الأنظمة مهما بلغت وحشيتها.

عام على السقوط… وعمرٌ جديد يبدأ.
لن يكون سهلاً، لكنه سيكون حرًا، سياديًا، إنسانيًا، ودولة لا سجنًا ولا ثكنة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى