احتجاجات متزامنة تضرب المدن الإيرانية ..السخط الشعبي ضد الملالي يتزايد

في غضون أسبوعٍ واحد فقط، عادت مدنٌ عدّة في إيران لتشهد موجةً جديدة من الاحتجاجات المتنوّعة، تعكس عمق الغضب الاجتماعي من الانهيار الاقتصادي وسوء الإدارة وفساد مؤسسات الحكم تحت نظام ولاية الفقيه.
وبحسب تقرير للمجلس القومي للمقاومة الإيرانية فقد امتدت التظاهرات إلي مزارعي المياه في وسط البلاد، إلى المتقاعدين في الجنوب الغربي، مروراً بالممرّضين والعاملين في القطاع الصحّي، تتقاطع الأصوات حول رسالة واحدة: هذا النظام دمّر لقمة العيش وكرامة المواطنين.
مزارعو إيران: الماء يُنهَب… ولن نقبل الإهانة
يوم الثلاثاء 25 نوفمبر، خرج مزارعو مدينة شهرکرد إلى الشارع احتجاجاً على الانقطاعات المتكرّرة للكهرباء عن مضخّات المياه، والأزمة الحادّة في تأمين مياه الري. هتفوا بشعار لافت:، و«نموت ولا نقبل الإهانة، “يا وزارة،” يا وزارة، الماء يُنهب
وتلخص هذه الشعارات واقع المزارعين الذين يرون أنّ سياسات النظام في إدارة الموارد المائية دمّرت مصدر رزقهم، في وقت تُحوَّل فيه المياه لمشاريع محسوبة على مراكز السلطة أو شركات تابعة للحرس الثوري.

في اليوم نفسه، تظاهر مزارعو جيرفت في محافظة كرمان أمام مبنى «وزارة الجهاد الزراعي» التابعة للنظام، احتجاجاً على انعدام الوقود اللازم لتشغيل البيوت البلاستيكية الزراعية، ما يهدّد محصولهم الوحيد ومورد دخلهم الأساسي.
وفي منطقة مغان الزراعية،وفقا للفاعليات التي رصدها المجلس نظّم مزارعو الذرة وقفة احتجاجية ضد عدم دفع مستحقّاتهم منذ عامين، رغم تسليم محاصيلهم لشركة «بارس» المرتبطة بمؤسسات الدولة. هذه الحالات المتكرّرة من عدم دفع المستحقات أصبحت ظاهرة ملازمة لاقتصادٍ غارق في الفساد والعجز المالي.
المتقاعدون: رواتب بالريال… ونفقات بالدولار
وكان ملفّ المتقاعدين حاضراً بقوّة هذا الأسبوع. يوم الأحد 23 نوفمبر، تجمّع متقاعدو صناعة الفولاذ في أصفهان أمام مبنى المحافظة، مردّدين شعارات علي في مقدمتها :” «يا رئيس الحكومة، لقد كذبت على الشعب، ودعوا سائر المواطنين للانضمام إليهم في المطالبة بالحقوق، بعدما تآكلت رواتبهم بفعل التضخّم وانهيار العملة.
في الأهواز، خرج متقاعدو «الضمان الاجتماعي» في اليوم نفسه، رافعين شعاراً يلخّص كارثة مستوى المعيشة:
أما في شوش، فقد أعلن المتقاعدون في مسيرة احتجاجية أنّهم «لن يرتاحوا حتى يحصلوا على حقوقهم».
ويوم الثلاثاء 25 نوفمبر، انتقلت حركة الاحتجاج إلى كرمانشاه، حيث تجمّع متقاعدو قطاعات «الضمان الاجتماعي» و«الاتصالات» و«الصحة»، وهتفوا ضد كل أجنحة النظام بلا استثناء:«إصلاحي، متطرف… أنتم معاً من دمّر البلاد«. كما رددوا: «وجعنا هو وجعكم، يا شعب انضمّوا إلينا«.

هذه الشعارات تُظهر تآكل الثقة في كل تيارات النظام، ووعي الشارع بأنّ الانقسام بين «إصلاحي» و«محافظ» لم يعد يُخفي وحدة البنية الحاكمة.
الممرّضون والطواقم الطبية: بين الأجور المنهارة والضغط الخانق
في نفس السياق داخل القطاع الصحي المنهك هو الآخر على خطّ الاحتجاج. حيث نظّم عناصر الطوارئ الطبية في طهران وقفة احتجاجية ضد ظروف العمل القاسية والأجور المتدنية، مطالبين باستقالة المسؤولين الفاشلين، ومردّدين الشعارات ذاتها التي تعبّر عن انهيار العملة أمام الدولار.
وفي أراك، تجمّع موظفو القطاع الصحّي أمام جامعة العلوم الطبية احتجاجاً على عدم دفع 50٪ من حوافز الأداء. هؤلاء العاملون، الذين كانوا في الصفّ الأول لمواجهة جائحة كورونا وسائر الأزمات الصحية، يجدون أنفسهم اليوم في مواجهة أزمة معيشية حادة بلا أيّ شبكة أمان.
عمّال الصناعة وضحايا الاحتيال
الاحتجاجات شملت أيضاً العمال المسرّحين والمواطنين المنهوبة أموالهم. يوم الأربعاء 26 نوفمبر، تجمّع عدد من عمال شركة البتروكيمياويات في ماهشهر بعد فصلهم من العمل، مطالبين بالعودة إلى وظائفهم.
في كرمان، احتشد زبائن شركة «مدیران خودرو» احتجاجاً على سلب مدّخراتهم، بعد أن دفعوا مبالغ كبيرة مقابل سيارات لم يحصلوا عليها في الوقت الموعود، أو وجدوا شروط التسليم قد تبدّلت.
وفي كرمانشاه، نظّم المتقدّمون لمشروع «مهر» للإسكان الحكومي وقفة احتجاجية. هؤلاء المواطنون دفعوا كل التكاليف المطلوبة منذ 16 عاماً، لكنّهم ما زالوا بلا منازل، في مثال صارخ على فشل المشاريع الإسكانية الرسمية وفسادها.
في محافظة كلستان، خرج سكان جاليكش الثلاثاء الماضي احتجاجاً على التدمير المنهجي لغابات هيركاني التاريخية على أيدي «مصنع سيمان بيوَند» المرتبط بمسؤولين في النظام.
الأهالي حذّروا من أنّ استمرار قطع الأشجار وتجريف التربة لصالح مصالح اقتصادية ضيّقة يدمّر بيئتهم ومستقبلهم، في بلد يعاني أصلاً من أزمات مياه وتلوّث وتغيّر مناخي حادّة.
أسبوعٌ واحد… وصورة شاملة لنظام مأزوم
: وبحسب مصادر مقربة من المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ،فإذا جمعنا مشاهد هذا الأسبوع في لوحة واحدة، نرى
مزارعين يصرخون لأنّ الماء يُحوَّل إلى سلعة بيد السلطة، متقاعدين يواجهون الشيخوخة برواتب منهارة، ممرّضين وعمّال طوارئ يطالبون بأبسط حقوقهم، عمّالاً مسرّحين يطالبون بعملهم،• وسكّاناً يدافعون عن غاباتهم في وجه مصانع مرتبطة بالنفوذ مواطنين خُدعوا بمشاريع إسكان واستثمار وهمية،• .
كل هذه الأصوات تنطلق من أماكن متباعدة، لكنها تلتقي عند جذر واحد: نظام حكمٍ يستنزف الثروة الوطنية، ويدفع كلفة أزماته المتراكمة من جيوب الفئات الأضعف في المجتمع، بينما يواصل إنفاقه على أجهزة القمع والمغامرات الخارجية.
الاحتجاجات الأسبوعية في إيران لم تعد أحداثاً متفرّقة، بل باتت مؤشراً ثابتاً على غليان اجتماعي مستمر، وعلى مسارٍ تصاعدي من الغضب الشعبي قد يتحوّل في أي لحظة إلى موجة أوسع من العصيان والانفجار.·




