اخبار العالم

بين اعترافات روحاني وتهديدات الجيش: ارتباك استراتيجي يهزّ هرم السلطة في إيران

تقدم التصريحات الأخيرة لحسن روحاني واللواء أمير حاتمي قائد جيش نظام ولاية الفقيه صورة غير مسبوقة لأزمة أمنية وسياسية واجتماعية داخل السلطة. بينما يسعى خامنئي إلى إظهار وضع البلاد تحت السيطرة و”طبيعي!”، تُظهر تصريحات هذين المسؤولين السابق والحالي أن فجوة في فهم التهديدات وتقييم الأمن القومي تتسع في أعلى مستويات السلطة. هذه الفجوة، بالإضافة إلى إظهار عدم الاستقرار الداخلي، تدل على ارتباك استراتيجي للنظام في مواجهة الأزمات الإقليمية والدولية.

اعتراف روحاني بتآكل الأمن الداخلي

حسن روحاني، في لقائه مع أعضاء حكومته السابقة، بينما يُشيد بخامنئي كالعادة، يكشف عن غير قصد سوء الوضع الأمني في البلاد. مشيراً إلى حرب الأيام الـ12 وتداعياتها، يقول: «في حرب الأيام الـ12، صمدنا وقاومنا، لكننا تعرضنا لضربات وعانينا من مشاكل.» (انتخاب، 29 نوفمبر)

لكن الجزء الأهم من تصريحاته هو اعتراف صريح بغياب الأمن في البلاد. يؤكد روحاني: «لا يوجد شعور بالأمن في البلاد… هذا الشعور بانعدام الأمن، انعدام الأمن الروحي، انعدام الأمن المجتمعي، انعدام الأمن الفكري، انعدام الأمن الذهني موجود.» (المصدر نفسه)

في هيكل سياسي استبدادي، حيث الأمن هو الركيزة الأساسية لبقاء النظام، إن ذكر مثل هذه الجملة من قبل الرئيس السابق يحمل رسالة واضحة: لقد وصل وضع البلاد إلى نقطة لا يستطيع حتى المسؤولون السابقون في الحكومة إخفاءها.

كما يشير روحاني إلى وضع «لا حرب ولا سلم» الذي طرحه خامنئي، ويعترف بأنه «لم يتم إنجاز الكثير في هذا المجال حتى الآن.» تُظهر هذه التصريحات أن الجهاز الحكومي يعاني من ركود استراتيجي؛ فهو لا يتجه نحو المفاوضات ولا يمتلك القدرة على إدارة وضع شبه حربي.

عدم اتساق رواية الجيش الخاضع للأمر مع الواقع الاجتماعي

في المقابل، تعكس تصريحات اللواء أمير حاتمي، قائد الجيش الخاضع لأمر خامنئي، نهجًا هجوميًا ورمزيًا لسياسة النظام العسكرية. يقول: «لا يمكن اليوم الفصل بين أمن البلاد والمنطقة» ويؤكد أن قواته «لن تنتظر العدو حتى يهاجم فحسب، بل هي مستعدة تمامًا لأي رد حاسم ومدمر…» (انتخاب، 29 نوفمبر)

هذا الموقف يتناقض بوضوح مع تصريحات روحاني الذي يتحدث عن غياب الأمن الداخلي. بينما يشدد روحاني على انعدام الأمن الذهني والنفسي في المجتمع، يسعى اللواء حاتمي بلهجة تهديدية إلى تعويض هذه الأزمة من خلال استعراض «القوة الصاروخية!».

هذا الازدواج في الخطاب يدل على عجز النظام عن صياغة رواية موحدة حول الأمن. فمن جهة، ترى الحكومة السابقة أن الأزمة عميقة وهيكلية؛ ومن جهة أخرى، يحاول الجهاز العسكري إخفاء الضعف الداخلي من خلال استعراض القوة الإقليمية. هذه الفجوة السردية، في الأنظمة الاستبدادية، هي علامة على تآكل الشرعية وتراجع تماسك السلطة.

أزمات الحكم الثلاثة

يكشف تحليل تصريحات روحاني وحاتمي أن الجمهورية الإسلامية تواجه أزمة على ثلاثة مستويات:

1.  أزمة الأمن الاجتماعي والنفسي

يقول روحاني: «عندما لا يشعر الناس بالأمن، لا معنى للنمو الاقتصادي ولا قيمة له.» ليست هذه هي المرة الأولى التي يشير فيها المسؤولون إلى انعدام الأمن النفسي، لكن هذه المرة، تشير شدة اللهجة واتساع مجالات انعدام الأمن – من المجتمع إلى العقل – إلى أن الحكومة تشعر بأن أسس شرعيتها قد اهتزت.

2.  أزمة الأمن الإقليمي والضغط الخارجي

يعترف قائد الجيش، مؤكداً «أن أمن البلاد لا ينفصل عن أمن المنطقة»، بالطريق المسدود الاستراتيجي الذي وصل إليه النظام. يواصل النظام الأصولي الحاكم في إيران سياسة التدخل في المنطقة منذ سنوات، لكن تكلفة ذلك عادت الآن إلى الداخل في شكل ضغوط أمنية وتهديدات متعددة الأوجه.

3.  أزمة استراتيجية في قمة هرم السلطة

تشير إشارة روحاني إلى «لا حرب ولا سلم» وعدم اتخاذ أي إجراء فعال، إلى ارتباك خامنئي شخصياً وكامل هيكل السلطة في اختيار مسار المستقبل. هذا الوضع هو علامة على تآكل عملية صنع القرار وانخفاض القدرة التحكمية للحكومة.

الشعور بانعدام الأمن حقيقة راسخة

تقدم مجموعة تصريحات روحاني وحاتمي صورة لنظام عالق في أزمة ثلاثية – الأمن والشرعية والتماسك. اعترافات روحاني من جهة، وتهديدات الجيش رمزيا من جهة أخرى، تدل على أن الجهاز الحكومي يلجأ إلى استعراض القوة الخارجية لتعويض الضعف الداخلي، لكن هذا الازدواج لا يؤدي إلا إلى زيادة الانقسام داخل الحكومة.

نظام ولاية الفقيه المتصدع، بدلاً من تقديم حلول للأزمات الاجتماعية والاقتصادية، يكتفي بتكرار «تعليمات القيادة» أو يحاول إخفاء الأزمة بالتهديدات العسكرية. لكن كما يعترف روحاني، فإن «الشعور بانعدام الأمن» اليوم قد تحول إلى حقيقة راسخة في المجتمع؛ حقيقة لا تستطيع حتى القوة الصاروخية إخفاءها.

تكشف هذه التصريحات عن أزمة متعددة الطبقات تعصف بنظام ولاية الفقيه في إيران، وذلك من خلال التناقض الصارخ بين تصريحات الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني وقائد الجيش اللواء أمير حاتمي. فبينما يعترف روحاني صراحة بتآكل عميق في الأمن الداخلي بمختلف أشكاله (الروحي، المجتمعي، الفكري، الذهني)، ويصف الوضع بأنه “لا حرب ولا سلم” دون إحراز تقدم، يسعى اللواء حاتمي إلى استعراض القوة العسكرية الإقليمية والجاهزية الهجومية للجيش. يشير هذا التباين إلى فجوة متزايدة في فهم التهديدات وتقييم الأمن القومي داخل السلطة، ويدل على ارتباك استراتيجي للنظام في مواجهة ثلاثة مستويات من الأزمات: أزمة أمن اجتماعي ونفسي، وأزمة أمن إقليمي وضغط خارجي، وأزمة استراتيجية في قمة هرم السلطة، مما يؤكد تآكل الشرعية والتماسك الداخلي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى