قضايا الارهاب

العنصر الذي درّبته الـCIA… ونفّذ هجومًا داخل واشنطن

بقلم تادي عواد

أطلق رحمان الله لاكانوال، وهو مواطن أفغاني يبلغ من العمر 29 عامًا، النار على اثنين من أفراد الحرس الوطني قرب البيت الأبيض في واشنطن العاصمة يوم الأربعاء 26 نوفمبر 2025، مما أسفر عن إصابتهما بحالة حرجة، وتم إطلاق النار عليه أيضًا ونقله إلى المستشفى

أثارت العملية الدموية، عاصفة سياسية وأمنية غير مسبوقة، بعدما تبيّن أن منفّذها ليس مهاجرًا عابرًا، بل عنصرًا سابقًا في إحدى أكثر الوحدات الأمنية الأفغانية سرّية والمموّلة مباشرة من الاستخبارات الأميركية.
هذه الحقيقة وحدها كفيلة بقلب القراءة التقليدية للحادث. والسؤال هو: لمن كان يعمل هذا الرجل حين نفّذ عمليته؟

من هو المنفّذ؟

عنصر نخبة مُدرَّب على يد الـCIA

تشير المعطيات إلى أن المنفّذ خدم في وحدة الأمن الوطني الأفغانية NSU 03؛ وهي وحدة نخبوية لمكافحة الإرهاب تأسست بإشراف مباشر من ضباط الـCIA شبه العسكريين، وتلقّت تدريبها في قاعدة العمليات الخاصة Fire Base Gecko في قندهار.

كانت هذه القاعدة قلب عمليات الاغتيال والاقتحام خلال الحرب، وموطنًا لقوة سرّية أخرى هي Kandahar Strike Force (KSF) التي خضعت سياسيًا لنفوذ أحمد ولي كرزاي.

بمعنى آخر: المنفّذ لم يكن مجرد “لاجئ”، بل جزءًا من شبكة أمنية أفغانية – أميركية عملت لسنوات في الظل خلال الحرب على طالبان.

كيف دخل الولايات المتحدة؟ ولماذا لم يكن مجهولًا؟

سواء حصل على تأشيرة SIV أو على إذن إنساني، فإن جميع المتعاونين الذين دخلوا عبر هذه البرامج يمتلكون:

ضابط ارتباط (Case Officer)

ملفات أمنية مفصّلة

مراجعات خلفية موسّعة

أي أن الولايات المتحدة تعرف جيدًا من هو هذا الشخص، ومساره، وتدريبه، وصلاته السابقة.

وهذا يفتح الباب أمام السؤال الأكثر خطورة:
لمن نفّذ العملية؟

الاحتمالات المطروحة: بين الارتباط والارتداد والاختراق

يضع التحليل الأولي ثلاثة سيناريوهات رئيسية:

1. استمرار ارتباطه بجهة أميركية تعمل في الظل

قد يكون نفّذ العملية بأوامر مشغّله الأميركي، خصوصًا أن بعض عناصر الوحدات الأفغانية جرى دمجهم لاحقًا ضمن شبكات جمع معلومات خارج الأطر الرسمية.

2. ارتداد “Blowback”

وهو أخطر السيناريوهات:
عنصر درّبته واشنطن يعود ليضرب داخل واشنطن نفسها، لأسباب لم تتضح بعد.

3. تفعيل من جهة ثالثة

جهات دولية أو إقليمية قد تستغل عناصر مدرَّبة، تمتلك خبرة في العمل السرّي، وتملك القدرة على التحرك دون إثارة الشبهات.

وحتى الآن، لا يمكن استبعاد أي من هذه السيناريوهات.

ترامب يدخل المشهد: الهجرة تحت النار

تزامُن الحادثة مع إعادة إدارة ترامب فتح ملف الهجرة الأفغانية يضيف بُعدًا سياسيًا شديد الحساسية.
الإدارة تعمل على:

إنهاء الحماية المؤقتة (TPS) للأفغان عام 2025

مراجعة آلاف ملفات اللجوء التي مُنحت خلال عهد بايدن

تعليق برامج إعادة توطين الأفغان

إعادة المقابلات الأمنية بشكل شامل وغير مسبوق

وبعد العملية الأخيرة، ارتفعت الأصوات داخل البيت الأبيض مطالِبةً بخطوات أكثر تشددًا، تصل إلى حد الإلغاء الفوري للحماية وترحيل جميع الأفغان، بغضّ النظر عن وضعهم القانوني.

هذه الإجراءات تواجه معركة قضائية شرسة من محاكم فدرالية ومنظمات حقوقية، لكن العملية منحت ترامب ذخيرة سياسية وأمنية هائلة.

ماذا يعني كل ذلك؟

القضية ليست مجرد حادث جنائي، بل كشف خطير عن ثغرة في صلب المنظومة الأمنية التي بنتها الولايات المتحدة خلال عقدين.

فالولايات المتحدة قد تكون — من دون قصد — أدخلت إلى أراضيها عناصر شاركت في:

عمليات اغتيال

اقتحام أهداف عالية القيمة

عمليات سرّية بإشراف CIA

مهام حساسة لا يُفصح عنها

والسؤال الذي يفرض نفسه الآن:

كم عنصرًا آخر يمتلك الخلفية نفسها ويتحرك اليوم داخل الولايات المتحدة؟

خلاصة

ما حدث في واشنطن ليس حادثًا معزولًا، بل صدعًا كبيرًا في جدار الأمن الداخلي الأميركي.
المنفّذ ليس مهاجرًا مجهولًا، بل عنصرًا مُدرّبًا في أجهزة ظلّ صنعتها واشنطن بنفسها في قندهار.
والسجال السياسي الذي انفجر بعد العملية قد يعيد تشكيل سياسات الهجرة والاستخبارات في الولايات المتحدة خلال السنوات المقبلة.

إنه حادث يعيد طرح السؤال القديم الذي حاولت واشنطن تجاهله:
هل تحوّلت الشبكات التي بنتها في الخارج إلى تهديد مباشر للأمن الداخلي؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى