كيف تفكّكت علاقة سعد الحريري بالسعودية منذ 2017 حتى اليوم؟ … قراءة شاملة

بقلم تادي عواد
تدهورت علاقة السعودية بسعد الحريري منذ عام 2017 مع تحوّل السياسة السعودية في عهد محمد بن سلمان إلى مقاربة أكثر تشدداً تجاه النفوذ الإيراني في لبنان. وشكّلت استقالة الحريري من الرياض في تشرين الثاني 2017 نقطة الانفجار، إذ عكست استياءً سعودياً واضحاً من اعتباره غير قادر على مواجهة “حزب الله”.
ورغم عودته عن الاستقالة، بقيت العلاقة باردة. فالسعودية رأت أن الحريري لم يلبِّ توقعاتها في إعادة التوازن السياسي داخل لبنان.
بين 2019 و2022 ازدادت الفجوة، وظهر توجه سعودي لإعادة تشكيل الساحة السُنية بعيداً عن الحريرية، ترافقت معه حملات نقد إعلامية سعودية. ومع إعلان الحريري تعليق عمله السياسي في 2022، اصبحت القطيعة شبه كاملة.
في عام 2022، بدأت بعض الصحف السعودية في شنّ حملة نقد لاذعة على سعد الحريري. ومع الوقت، تحوّل هذا الهجوم إلى سرد ثابت في عدد من المنابر الإعلامية، ما يعكس توترًا سياسيًا عميقًا، ليس على المستوى الشخصي فحسب، بل على المستوى الاستراتيجي أيضًا.
مقاطعة الانتخابات والاتهامات بالخيانة
شكّل إعلان الحريري في يناير 2022 “تعليق نشاطه السياسي” ودعوته تيار «المستقبل» إلى عدم خوض الانتخابات النيابية نقطة انطلاق رئيسية للهجوم عليه. وقد برّر الحريري قراره بأنه لا يرى “أي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني” والانقسام الطائفي.
في مقال لصحيفة عكاظ بعنوان «سعد الحريري… أنا أو لا أحد»، رأى الكاتب محمد الساعد أن دعوة الحريري للمقاطعة “خدمة لحلفاء حزب الله”، معتبرًا أن هذا القرار يُفرغ الساحة السنية لمنافسيه ويصبّ في مصلحة خصومه.
كما اتّهم المقال الحريري بأنه “متشيّع سياسيًا”، أي أنه بات يتماهى مع إيران وفق رؤية الكاتب، وأنه لم يعد الزعيم ذاته الذي وقف إلى جانب السعودية بعد اغتيال والده.
الهجوم الإعلامي السعودي على سعد الحريري — ملخّص وتسلسل زمني
التسلسل الزمني للتصعيد (الربيع 2022)
بدأ التصعيد مع سلسلة مقالات في عكاظ حملت تقييمات قاسية لمسار الحريري السياسي، بينها مقال بعنوان «نهاية سعد»، إضافة إلى مقالات تحليلية تناولت أسباب تراجع مكانته.
رابط: https://www.okaz.com.sa/news/politics/2104643
وتبعت ذلك مقالات أخرى ربطت قراراته — وخصوصًا دعوة المقاطعة — بفقدان “البوصلة السياسية” وخسارة الرصيد العربي والخليجي.
تقرير تحليلي: https://arabi21.com/story/1436426
محاور الهجوم الرئيسة
1. فشل قيادي وسياسي
وصفت الصحف السعودية الحريري بأنه «فشل في إعادة إنتاج نفسه سياسيًا» وأنه «فقد الأدوات والرصيد» اللذين امتلكهما في العقد السابق، كما حمّلته مسؤولية سوء إدارة تحالفاته الداخلية والخارجية.
مقالات ذات صلة:
https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2104333
https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2106250
2. مقاطعة الانتخابات وخدمة خصومه
اعتبرت الصحف أن دعوته إلى المقاطعة خدمت خصومه السياسيين، وخصوصًا حلفاء حزب الله، وأنها أضعفت السّنة وفتحت المجال أمام قوى سياسية أخرى لملء الفراغ.
تحليل: https://arabi21.com/story/1436426
قراءة استراتيجية للهجوم على الحريري
يرى بعض المحللين أن الهجوم السعودي لم يكن مجرد انتقاد عابر، بل جاء من منطلق سياسي أعمق، حيث شعرت السعودية بأن الحريري خذلها استراتيجيًا، وهو ما صبّ — بحسب تلك الرؤية — في مصلحة حزب الله وأضعف الطائفة السنية.
في مقال بعنوان “أعنف هجوم سعودي على الحريري”، اعتبر بعض الكُتّاب أن الحريري “يتصرّف كأسير حرب لدى حزب الله”، وأن قراراته تُضعف السّنة في لبنان.
كما رافق الهجوم الإعلامي دعوات سعودية للحريري إلى حثّ جمهوره على التصويت ضد حزب الله وحلفائه، بدل المقاطعة التي تُفقد الصوت السني وزنه السياسي.
ومع ذلك، لا تُظهر المصادر حتى نهاية 2024/بداية 2025 استمرارًا للمستوى نفسه من الهجوم الذي بلغ ذروته في 2022، ما يوحي بأن الحملة كانت مرتبطة بالمرحلة الانتخابية بالدرجة الأولى.
الأبعاد السياسية الأوسع
لا يمكن فهم الهجوم السعودي على الحريري بوصفه خلافًا شخصيًا أو “طعنة في الظهر من حلفائه”، كما يحلو للحريري أن يصوّره، بل هو جزء من تحوّل أوسع في السياسة السعودية تجاه لبنان، وتجاه موقع الطائفة السنية فيه، خصوصًا في ظل توسّع نفوذ إيران وحزب الله.
بدأ هذا الهجوم كحملة صحفية، ثم أصبح يُنظر إليه أيضًا كاستراتيجية سعودية لإعادة تشكيل الفاعلية السنية اللبنانية، أو على الأقل للضغط على الحريري لإعادة حساباته.
ما يلفت الانتباه هو أن الحملة لم تظل على نفس مستوى الحدة بعد ذروتها، مما قد يدل على أن هدفها لم يكن تدمير الحريري بالكامل، بل إعادة ضبط دوره السياسي، أو على الأقل توجيهه نحو ما تراه الأوساط السعودية مفيدًا، وهو المشاركة الفاعلة في الانتخابات ضد حزب الله وحلفائه.
هل هناك أمل بعودة العلاقات إلى سابق عهدها؟
بحسب المحلّلين، يدرك سعد الحريري أنّ عودة العلاقات إلى ما كانت عليه سابقًا لن تكون ممكنة ما لم يبادر هو إلى تصحيح مساره السياسي، وإبعاد الدائرة الضيّقة من حوله التي أسهمت في إيصال الأمور إلى هذا المستوى من التوتر. فقبل أن يطلب أي دعم سياسي من السعودية، عليه أن يعود إلى نهج 14 آذار، وأن يخوض معركة “تحرير لبنان” ضمن اصطفاف سيادي واضح في كل الدوائر، ومن دون أي تحالفات — لا فوق الطاولة ولا تحتها — مع حزب الله أو حلفائه، على أن ينخرط في لوائح الحلفاء السياديين حصريًا، ويضع ثقله الانتخابي كاملًا في خدمة الخط السيادي في مختلف المناطق.
وما دون ذلك، لن تستقيم الأمور، وحتى لو اعتكف سنوات طويلة، سيبقى خارج اللعبة السياسية.
هل تعلّم سعد الحريري مما حصل؟
هل سيشارك في انتخابات 2026 ضمن لوائح الخطّ السيادي بالكامل، من دون أيّ تحالف مع حزب الله وحلفائه؟
وهل سيتخلّى عن الحلقة الضيقة المحيطة به التي أوصلته إلى هذه الحالة؟
أسئلة ستتكشّف أجوبتها قريبًا.




