الكتائب… من حزب الشهداء إلى حزب “النكاية”؟

بقلم تادي عواد
غداً انتخابات نقابة محامي بيروت. وفي الوقت الذي يستعدّ فيه السياديون لمعركة مهنية – سيادية صافية، قرّر حزب الكتائب أن يخلع تاريخه، وأن يرمي مبادئه، وأن يتحوّل من حزب عقائدي إلى حزب نكايات شخصية لا أكثر.
نعم… الكتائب اليوم تتحالف مع حزب الله.
الكتائب التي قدّمت الشهداء في مواجهة الاحتلال السوري…
الكتائب التي قدّمت رئيساً للجمهورية ونواباً اغتيلوا على يد المحور نفسه الذي تدعمه اليوم…
الكتائب التي تربّى جمهورها على رفض “حزب الله ومحور الممانعة”…
هذه الكتائب نفسها وقّعت اليوم تحالفاً انتخابياً مع حزب الله، وحركة أمل، والحزب السوري القومي الاجتماعي، والتيار العوني… فقط لأنها تريد إلحاق هزيمة بالقوات اللبنانية.
فهل هناك سقوط سياسي أعمق من هذا؟
الكتائب تحرق تاريخها بيديها
أي حزبٍ عاقل يدفن إرث بيار الجميل؟
وأي منطقٍ يسمح لحزبٍ قَتَل بشير الجميل (الحزب السوري القومي) أن يتحوّل إلى شريكٍ انتخابي له؟
هل نسي الكتائبيون أن حبيب الشرتوني “بطل” عند الحزب الذي يتحالفون معه اليوم؟
إذا كان البعض يظنّ أن الذاكرة اللبنانية قصيرة، فالتاريخ لا ينسى، والناس لا تغفر.
الكتائب تسوّق نفسها كحزب “سيادي”… بينما تسلّم النقابة لمن يريد القضاء على السيادة
مَن يرفض سلاح حزب الله لا يتحالف معه.
ومَن يدّعي أنه يريد بناء دولة، لا يدعم مرشّح مَن لا يريدون دولة من الأساس.
ومَن يطالب بقضاء مستقل، لا يمنح النفوذ لمن عطّل القضاء وهدّد المحققين ودفن مئات الملفات.
لكن الكتائب فعلت كلّ ذلك… بدمٍ بارد. لماذا؟
لأن “خسارة القوات” بالنسبة إليها أهمّ من “ربح النقابة السيادية”.
الكتائب… من حزب مبدئي إلى حزب غارق في الكيدية
المفارقة المرّة أنّ الكتائب تصرخ يومياً عبر الإعلام بأنها “مع الثورة”، و“ضد الممانعة”، و“مع التغيير”.
لكن تحت الطاولة: تتحالف مع الثنائي الشيعي، وتمنح أصواتها للحزب القومي، وتفتح خطوطاً مع التيار العوني… ثم تقدّم كل ذلك على أنه “تكتيك سياسي”.
هذا ليس تكتيكاً. هذا انتحار سياسي مكتمل الشروط.
فمن يريد إسقاط القوات بأيّ ثمن، يسقط نفسه أولاً… ويعرّي مشروعه أمام جمهوره.
الكتائب تغدر بجمهورها قبل أن تغدر بحلفائها السابقين
الجمهور الكتائبي، تاريخياً، جمهور سيادي بامتياز.
جمهور قاتل السوري والقومي والممانعة.
جمهور دافع عن هوية لبنان وثقافته ووجوده.
فكيف لهذا الجمهور أن يُهان بانتخاب مرشّح مدعوم من: حزب الله، حركة أمل، الحزب القومي، والتيار العوني؟
وكل ذلك… فقط “نكاية بالقوات”؟
حزب يجرّ جمهوره إلى هذا المنحدر الأخلاقي يفقد حقّه في رفع أي شعار سيادي بعد اليوم.
الكتائب تعود إلى ذهنية ما قبل 2005
التحالف مع محورٍ اغتال قادتها… ليس “دهاءً سياسياً”.
هو عودة إلى منطق تصفية الحسابات الصغيرة، والتنافس الأرعن، ودفن السيادة على مذبح الكيدية.
هذا المنطق هو الذي دمّر لبنان.
وهو نفسه الذي يعيد إنتاج الطبقة السياسية التي ثار اللبنانيون عليها.
اليوم، ومع هذا التحالف، أثبتت الكتائب أنها مستعدة لفعل أيّ شيء…
حتى لو كان ذلك خيانة تاريخها، وخيانة جمهورها، وخيانة دماء شهدائها.
فقط لتسجيل نقطة سياسية ضد القوات.
وهذا أخطر ما يمكن أن يصل إليه حزب سياسي:
حين يصبح الهدف ليس بناء الدولة… بل هدم كلّ شيء حوله كي يشعر للحظة واحدة بأنه “انتصر” في معركة صغيرة.
لكن المعركة الكبرى… خسرها الكتائب اليوم.
والخسارة ليست في صندوق الاقتراع، بل في صندوق الأخلاق والهوية والسيادة.
لقد حوّل سامي الجميل، بحقده، حزب الكتائب من حزبٍ على حجم الوطن… إلى حزبٍ صغيرٍ على حجمه.




