المجموعة الدولية في سوريا… ستتولى مهمة “الاستقرار النهائي”
رمى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مفاجأةً من العيارِ الثقيل، كاشفاً عن وجود خطة لإنشاء مجموعة دولية جديدة تضم الدول المنخرطة في النزاع السوري، ستتولى مهمة ما سماه “الاستقرار النهائي” بعد استئصال بؤر الإرهاب في سوريا، إثر لقاء ثنائي جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 27 فبراير (شباط) الماضي، تاركاً خلف تصريحه هذا الكثير من علامات الاستفهام عن طبيعة عمل المجموعة، فاتحاً باب التكهنات من دون الحصول على أجوبة شافية عن كيفية عملها، خصوصاً في ظل تشابك مصالح هذه الدول وتعارضها على الأرض السورية وفي منطقة الشرق الأوسط.
وتنصّ الخطة على ضرورة سحب جميع القوات الأجنبية من الأراضي السورية، واستعادة مؤسسات الدولة السورية مع الحفاظ على وحدة أراضيها.
وفي معرض تعليقه على هذه المبادرة، قال الرئيس الروسي “تكمن الفكرة في إنشاء مجموعة عمل دولية ستشمل جميع الأطراف المعنية، وفي الدرجة الأولى القيادة السورية، وربما المعارضة ودول المنطقة وجميع المنخرطين في النزاع. وستتولى المجموعة مهمة تأمين الاستقرار النهائي بعد القضاء على جميع بؤر الإرهاب، الذي بات تحقيقه قريباً”.
ما يجري خلف الأبواب المغلقة
كان الإعلان عن تشكيل هيكل عملي للمجموعة الدولية، بالتزامن مع التطبيع النهائي للأوضاع، مفاجئاً لكل الأوساط السياسية. لكن محللين روساً يرون أن نتنياهو يجلس في الكرملين وعينه على الكنيست الإسرائيلي، وهو جاء إلى روسيا سعياً إلى تحقيق انتصار خارجي يعزف من خلاله على أوتار السياسة الداخلية الإسرائيلية.
والزيارة تنطلق بالنسبة إلى نتنياهو من الناحية الإقليمية إلى حل المشاكل الكبرى، وحلّ ما يمكن حلّه وتأجيل المشاكل التي لا تحل إلى مرحلة ثانية. وتُجاري هذه الفكرة كسينيا سفيتلوفا، النائب عن كتلة ما يسمى “المعسكر الصهيوني” المعارضة، بالقول إن “زيارة نتنياهو تُستخدم الآن لأغراض دعائية، والرحلة إلى موسكو ليست استثناءً، على الرغم من أن هذا الاجتماع مهم بلا شك وفي وقته المناسب”
ومع عدم تمكنه من الاجتماع بالجالية اليهودية في موسكو، اضطر نتنياهو إلى اختصار زيارته إلى روسيا بسبب إجراءات محاكمته بقضايا فساد في إسرائيل، في حين يرى مراقبون أنه أنجز المطلوب من الزيارة، بتباحثه مع الرئيس الروسي في شأن الوضع في سوريا، خصوصاً التهديد الإيراني.
ولا يرغب الروس في أن تُظهرَ تل أبيب تقاربها معها من باب الخلاف مع طهران. وهذا ما عبّرت عنه مصادر دبلوماسية روسية لصحيفة كوميرسانت الروسية، في حديثها عن عدم سرورها من تعمد الإسرائيليين إظهار قربهم من روسيا في سياق حربهم ضد إيران، بصرف النظر عما يجري خلف الأبواب المغلقة. لكن حديث نتنياهو عن إيران وما تمثله بـ “أنه أكبر تهديد لاستقرار المنطقة وأمنها، وسنبذل كل ما في وسعنا لمنع ما تتحدث عنه إيران، التي تهدّد بتدميرنا”، إشارة من نتنياهو إلى مواصلة استهداف المواقع الإيرانية في سوريا.
وإلى ذلك، كتب نتنياهو، على “تويتر”، “قلت للرئيس بوتين في موسكو، لقد عددتُ 11 لقاءً عُقد بيننا منذ سبتمبر (أيلول) العام 2015، والعلاقة المباشرة بيننا تشكل بعداً حيوياً أسهم في منع المخاطر والاحتكاكات بين كلا جيشينا، وكذلك في إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة”.
التشابك والتوافق في مصالح الدول
يتحوّل الشرق الأوسط اليوم، في الواقع، إلى مركز للسياسات العالمية، وملتقىً لغبار الأحداث والمعارك السياسية والإستراتيجية، ومنطقة تتعايش فيها خصومات اللاعبين الإقليميين والعالميين، المرغمين على مراعاة مصالح بعضهم بعضاً، في عالم جديد متعدد الأقطاب. ومع كل ذلك، يأتي الإعلان عن إنشاء مجموعة دولية غير واضح المعالم. فكيف ستتعامل هذه المجموعة، إن أرادت مراعاة مصالح أطرافها، مع وقائع فرضت ذاتها على الساحة السورية؟ وأين ستصطفّ تركيا، على سبيل المثال، وهي إحدى دول المجموعة وشريكة روسيا وإيران وعرّابة سوتشي، في وقت تناور أميركا للحصول على أرض الشمال السوري؟
يعبّر سمير صالحة، المحلل السياسي، عن هذا الطرح بالعودة إلى ما صرح به الرئيس الروسي بعدم وجود تفاصيل كثيرة، لكنه يُرجح أن تشكل هذه الورقة دفعة جديدة للحوار وتفعيل التسويات والحلحلة على الرغم من كل التساؤلات في شأن وحدة الأراضي السورية، وإذا ما كانت ستميل إلى فيدرالية أم غير ذلك، وهل سيتحقق إمكان انسحاب الجيش التركي في ظل هذه الظروف؟
في المقابل، لم تعلن المعارضة عن موقف واضح من هذه المجموعة بعد، بسبب غموض آلية عملها، وإذا كان عملها سيشكل نسفاً لكل المفاوضات والاتفاقات السابقة أم ستكون متممة لسلسلة أستانا وجنيف وما توصل إليه سوتشي. وترجح أوساط في المعارضة أن تكون هذه المجموعة مكملة ومستندة إلى اتفاقات سابقة، خصوصاً أن المجموعة تسعى إلى وحدة الأراضي السورية، مع طرح هذه المعارضة للتغيير السياسي في سوريا كجزء من عمل المجموعة.
وبعد ثمانية أسابيع على تولي غير بيدرسون مهمة المبعوث الأممي إلى سوريا، قدّم الديبلوماسي النرويجي إحاطته الأولى أمام مجلس الأمن، الخميس، بعدما زار معظم الأطراف المنخرطة في الملف السوري. وكانت إحاطته متوافقة مع رؤية إنشاء مجموعة دولية، والإحساس المشترك بأن المعارك قد تبدأ بالانحسار.
المصدر : اندبندنت