دفاع وأمن

الإمارات، الصين، و«جي 42»: خيوط تقنية تتقاطع مع الجغرافيا السياسية والاستخبارات العالمية

بقلم تادي عواد

أثار تقرير فايننشال تايمز الأخير حول حصول الصين على تكنولوجيا إماراتية عبر شركة G42 — يُعتقد أنها استُخدمت لتطوير مدى صواريخ جو-جو من طرازي PL-15 وPL-17 — جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والاستخباراتية في واشنطن والعواصم الغربية.

الخبر، الذي وصفته مصادر أميركية بـ«المقلق استراتيجيًا»، يُسلّط الضوء على تحوّل محتمل في ميزان العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة كحليفٍ تقليديٍ للولايات المتحدة، وبين الصين الصاعدة عسكريًا وتكنولوجيًا.

 

جوهر المعلومات المسربة

تفيد المعلومات التي جمعتها وكالات التجسس الأميركية منذ عام 2022 بأن مجموعة G42، وهي شركة إماراتية متخصصة في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، نقلت تقنيات إلى شركة هواوي الصينية.

وتُشير تلك التقنيات إلى احتمال استخدامها في تحسين أنظمة توجيه الصواريخ وتمديد مداها، ما يمنح المقاتلات الصينية أفضلية في الاشتباكات الجوية، خصوصًا أمام الطائرات الأميركية مثل F-15 وF-22.

جاءت هذه المعطيات في فترة حساسة شهدت تصاعد المخاوف في واشنطن من تغلغل النفوذ التكنولوجي الصيني في دول الخليج، ولا سيما بعد أن عززت بكين تعاونها الاقتصادي والعسكري مع كلٍّ من الإمارات والسعودية.

 

السياق الجيوسياسي

منذ أكثر من عقد، تنتهج الإمارات سياسة خارجية متعددة المحاور، تجمع بين التحالف الأمني مع واشنطن والانفتاح الاقتصادي على بكين وموسكو.

أما الصين، فترى في أبوظبي بوابةً استراتيجيةً للولوج إلى أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا عبر مبادرة الحزام والطريق، كما تعتبرها مركزًا مثاليًا لاختبار تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.

بالنسبة إلى الولايات المتحدة، يُثير هذا التقاطع بين G42 وHuawei هاجسًا استخباراتيًا مزدوجًا:

احتمال تسرب تقنيات غربية إلى الصين عبر شركاء خليجيين.

الخشية من تراجع «التحكم التكنولوجي» الأميركي في المنطقة.

 

الأبعاد الاستخباراتية

من منظور استخباراتي، تُظهر القضية تحديًا جديدًا لمفهوم التحالفات التقليدية.

فواشنطن، التي تعتمد على تبادل المعلومات مع أجهزة الأمن الخليجية، تجد نفسها اليوم مضطرة للتعامل مع شركاء يملكون علاقات اقتصادية وتقنية مع خصومها.

تشير التقارير إلى أن أجهزة الاستخبارات الأميركية راقبت عن كثب مشاريع G42 المشتركة، وناقشت مدى علم الشركة الإماراتية باستخدام تلك التقنيات في تطبيقاتٍ عسكريةٍ صينية.

وقد انعكس هذا الجدل لاحقًا في دوائر القرار الأميركي، حيث طالبت لجان في الكونغرس بمراجعة استثمارات الشركات الأميركية في G42 — ولا سيما بعد صفقة مايكروسوفت–G42 البالغة 1.5 مليار دولار عام 2024 — للتأكد من عدم وجود «اختراقٍ صينيٍ خفي» في البنية التحتية الرقمية الإماراتية.

 

التناقض الإماراتي – بين التحالف الأمني والانفتاح الاقتصادي

تعتبر الإمارات نفسها دولة توازنٍ بين الشرق والغرب؛ فهي تحتضن قواعد عسكرية أميركية على أراضيها، وفي الوقت نفسه تعقد شراكات تكنولوجية واسعة مع الصين.

تمنحها هذه الازدواجية مرونةً دبلوماسية، لكنها تضعها في منطقة رمادية استخباراتية.

واشنطن تعتبر Huawei كيانًا مرتبطًا مباشرةً بالجيش الصيني، وأي تعاونٍ معها، حتى لو كان تجاريًا، يُعدّ تهديدًا للأمن القومي الأميركي.

في المقابل، تؤكد أبوظبي أن G42 شركةٌ مدنيةٌ مستقلة، تسعى إلى تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي في مجالات الرعاية الصحية والطاقة والتعليم، من دون أي دورٍ عسكري مباشر.

 

التحليل التقني العسكري

تُعد صواريخ PL-15 وPL-17 من أهم أسلحة الجو-جو الصينية الحديثة، ويُعتقد أنها صُممت لتتفوق على نظيراتها الأميركية في المدى والدقة.

أي تحسينٍ في تقنيات التوجيه أو الذكاء الاصطناعي لهذه الصواريخ — حتى لو كان غير مباشر — يُمثّل قفزةً استراتيجيةً للصين في القتال الجوي بعيد المدى (BVR Combat).

لذلك، تنظر واشنطن إلى أي دعمٍ تقني من طرفٍ ثالث كتهديدٍ مباشرٍ لتفوقها الجوي العالمي.

 

التقدير الاستخباراتي

رغم أن التقرير لم يؤكد بشكلٍ قاطعٍ حدوث «نقلٍ مباشرٍ لتقنيةٍ حساسة»، فإن مجرد الاشتباه بوجود قناةٍ تكنولوجيةٍ بين الإمارات والصين كافٍ لتغيير طريقة تفكير أجهزة الاستخبارات الأميركية في المنطقة.

 

يبدو أن الولايات المتحدة ستسعى إلى:

تقييد التعاون التكنولوجي بين حلفائها الخليجيين وشركاتٍ صينيةٍ محددة.

زيادة المراقبة الاستخباراتية على الكيانات العاملة في مجالات الذكاء الاصطناعي والاتصالات.

استخدام الضغط الدبلوماسي والاقتصادي لضمان بقاء الإمارات ضمن الفلك الأميركي.

من ناحية أخرى، تُظهر الإمارات قدرتها على استثمار تناقضات القوى الكبرى لتعزيز مكانتها كدولةٍ محورية، قادرةٍ على التعامل مع الجميع دون أن تنحاز كليًا لأي طرف.

 

القضية ليست مجرد خبرٍ عن «نقل تكنولوجيا»، بل مرآة لتحوّل ميزان القوى المعلوماتي في القرن الحادي والعشرين.

لقد أصبح الذكاء الاصطناعي اليوم سلاحًا استراتيجيًا، وغدت التكنولوجيا محورًا للصراع بين القوى الكبرى.

وفي هذا المشهد، تقف الإمارات في منطقةٍ دقيقةٍ بين النفوذ الأميركي والتقدم الصيني، لتتحول — عن قصدٍ أو  عن غير قصد — إلى ساحة اختبارٍ لصراعٍ استخباراتيٍ عالميٍ جديد.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى