دفاع وأمن

التاريخ لا يرحم: الجنرالات الذين دمّرهم الغرور والعناد

بقلم تادي عواد

في التاريخ العسكري الممتد عبر آلاف السنين، لا تُكتب صفحات المجد بالبطولات والانتصارات فقط، بل أيضًا بالكوارث والأخطاء التي غيّرت مجرى الحروب وسجّلت أسماء بعض القادة في خانة “الأسوأ”.
في ما يلي قائمة مرتّبة زمنيًا بعشرة من أسوأ الجنرالات في التاريخ، الذين شكّلت قراراتهم الكارثية دروسًا لا تُنسى في فنون القيادة والاستراتيجية.

 

1. ماركوس ليسينيوس كراسوس (معركة كارهاي – 53 ق.م.)

الخلفية: أحد أغنى رجال روما وعضو الحكم الثلاثي إلى جانب يوليوس قيصر وبومبي. سعى إلى مجدٍ عسكري يعادل ثروته الطائلة.
الخطأ: قاد جيشه إلى عمق صحراء كارهاي دون دراسة كافية للبيئة أو لطبيعة العدو، ورفض نصائح القادة المحليين، مستهينًا بفرسان الفرثيين الذين استخدموا تكتيكات الكرّ والفرّ والرماة المحترفين.
النتيجة: كارثة مطلقة. قُتل أكثر من 20,000 جندي روماني وأُسر 10,000 آخرون. قُتل كراسوس بطريقة مهينة، لتتحول حملته إلى رمزٍ للغرور الأعمى.

 

2. أنطونيو لوبيز دي سانتا آنا (معركة سان جاسينتو – 1836)

الخلفية: ديكتاتور مكسيكي مثير للجدل، تولّى قيادة القوات المكسيكية خلال الثورة التكساسية.
الخطأ: استهان بقدرات خصومه التكساسيين، ولم يؤمّن الانضباط العسكري في صفوفه. ترك قواته مشتّتة دون حراسة أو استطلاع كافٍ.
النتيجة: تعرّض جيشه لهجوم مباغت في سان جاسينتو فانهار خلال 18 دقيقة فقط. أُسر سانتا آنا وهو متخفٍ، لتفقد المكسيك ولاية تكساس.

 

3. الجنرال جيمس وولف ريبورن (حرب القرم – 1854)

الخلفية: أحد كبار القادة البريطانيين خلال حرب القرم ضد روسيا.
الخطأ: تجاهل ظروف الشتاء القاسية وافتقر إلى إدارة لوجستية فعّالة، فلم يوفّر الغذاء أو الدواء أو المأوى المناسب لجنوده.
النتيجة: مات آلاف الجنود جوعًا ومرضًا قبل مواجهة العدو. تحولت الحرب إلى فضيحة في بريطانيا وأدت إلى إصلاحات جذرية في الجيش.

 

4. الجنرال روبرت إدوارد لي (معركة غيتيسبيرغ – 1863)

الخلفية: القائد الأسطوري للكونفدرالية في الحرب الأهلية الأمريكية.
الخطأ: أصرّ على شنّ هجوم مباشر على مواقع اتحادية محصّنة، متجاهلًا نصائح جنرالاته مثل لونغستريت.
النتيجة: هزيمة ساحقة في غيتيسبيرغ مع 28,000 قتيل وجريح. شكّلت المعركة نقطة التحوّل ضد الجنوب وأنهت حلم الكونفدرالية بالاستقلال.

 

5. الجنرال ألفرد كروس (الحرب الفرنسية البروسية – 1870)

الخلفية: قاد الجيش الفرنسي في الحرب ضد بروسيا.
الخطأ: افتقر إلى خطة استراتيجية واضحة وأدار المعارك بارتباك، ولم يستوعب التطوّر الكبير في تكتيكات الجيش البروسي.
النتيجة: هزيمة مذلة في معركة سيدان، حيث أُسر الإمبراطور نابليون الثالث مع أكثر من 100,000 جندي، فانهارت الإمبراطورية الثانية في غضون أيام.

 

6. دوغلاس هيويغ (معركة السوم – 1916)

الخلفية: القائد العام للقوات البريطانية في الحرب العالمية الأولى.
الخطأ: استخدم تكتيكات تقليدية ضد دفاعات خنادق ومدافع رشاشة متطورة، وأصرّ على الهجوم رغم الخسائر الفادحة.
النتيجة: أكثر من مليون قتيل وجريح في معركة السوم التي لم تحقق أي مكاسب حقيقية. أصبح اسمه مرادفًا للقيادة العمياء.

 

7. توماس وليم جورج (معركة غاليبولي – 1915)

> ملاحظة زمنية: هذه المعركة سبقت معركة السوم بعامٍ واحد، لذا توضع قبلها في الترتيب الزمني.

 

الخلفية: أحد أبرز قادة الحلفاء في حملة غاليبولي خلال الحرب العالمية الأولى.
الخطأ: فشل في التخطيط لإنزال بحري محكم واعتمد على هجمات متكررة على مواقع عثمانية منيعة.
النتيجة: أكثر من 250,000 قتيل وجريح من الحلفاء دون أي تقدم يُذكر. انسحب الحلفاء بعد أشهر من الفشل، وبرزت تركيا بقيادة مصطفى كمال أتاتورك كقوة جديدة.

 

8. فريدريك باولوس (معركة ستالينغراد – 1942–1943)

الخلفية: قائد الجيش السادس الألماني، أحد أقوى تشكيلات الفيرماخت.
الخطأ: أطاع أوامر هتلر بعدم الانسحاب رغم الحصار القاتل ونقص الإمدادات، متجاهلًا الواقع الميداني والظروف الإنسانية لجنوده.
النتيجة: استسلام الجيش السادس بأكمله بعد مقتل 300,000 جندي. كانت ستالينغراد نقطة الانكسار الكبرى في الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا.

 

9. الجنرال كورسكوف (الحملة السوفييتية – 1941)

> ملاحظة زمنية: تسبق هذه المعركة ستالينغراد زمنيًا، لذا توضع قبلها في الترتيب.

 

الخلفية: أحد قادة الجيوش السوفييتية في المراحل الأولى من عملية “بارباروسا” الألمانية.
الخطأ: سوء تقدير شامل لقوة الهجوم الألماني، وضعف في الاتصال والتنسيق، وتجاهل تحذيرات المخابرات عن نوايا الغزو.
النتيجة: انهارت الجبهات الشرقية بسرعة مذهلة. أُسر مئات الآلاف من الجنود وسقطت مناطق شاسعة في أيدي الفيرماخت.

 

10. الجنرال ميشال عون (1989–1990)

الخلفية: قائد الجيش اللبناني خلال أصعب مراحل الحرب الأهلية اللبنانية.
الخطأ: شنّ ثلاث حروب متتالية ضد القوات السورية والميليشيات اللبنانية دون توازن في القوى أو تخطيط استراتيجي. اعتمد على المدفعية والقصف العشوائي بدل التحرك الميداني المنظم.
النتيجة: انهار الجيش اللبناني، وقُتل الآلاف من العسكريين، وأُسر عدد غير محدد منهم ما زال مصيرهم مجهولًا، دون تحقيق أي هدف سياسي أو عسكري. انتهى الأمر بعون إلى اللجوء إلى السفارة الفرنسية مع بداية المعركة، تاركًا جيشه وحيدًا في مواجهة الجيش السوري.

 

الخلاصة

من كراسوس إلى عون، تتكرّر الأخطاء نفسها وإن اختلفت العصور: الغرور، وسوء التقدير، والعناد في مواجهة الواقع. فالقائد العسكري لا يُقاس فقط بشجاعته أو سلطته، بل بقدرته على الإصغاء، والتخطيط، والتراجع حين يفرض المنطق ذلك.
تلك الدروس الدامية من التاريخ تبقى تذكيرًا بأن أخطر أعداء القائد ليست الجيوش المقابلة، بل غروره الشخصي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى