الخوف من الزّناد الخارجي أم الزّناد الداخلي؟

نظام مير محمدي
كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني
في الوقت الذي لم يمر فيه سوى وقت قصير جداً على تفعيل «آلية الزناد» (Snapback)، يبدو أن الخوف الحقيقي
لدى الأطراف الفاعلة في السلطة ينبع من الداخل الإيراني، بل ومن الطبقات الداخلية في النظام نفسه. تمتلئ وسائل
الإعلام الحكومية بتحليلات تاريخ «الاتفاق النووي» (برجام)، حيث تتبادل الأجنحة الاتهامات ضد من صاغوه
وتباهاؤا به واعتبروه إنجازاً عظيماً. حتى أن بعض المتورطين في صياغة الاتفاق وصفوه بـ «النعمة» على البلاد،
بينما اعتبره آخرون «خيانة». وفيما يتعلق بتطبيق «آلية الزناد»، فإن التناقضات داخل أجنحة النظام في هذه الفترة
القصيرة قد تجاوزت نقطة «الغليان».
على سبيل المثال، نشر موقع خبر أونلاين بتاريخ 28 سبتمبر نقلاً عن حسن صمصامي، عضو البرلمان (المجلس)،
قوله: نحن قلقون أكثر من الزناد الداخلي». ويتذكر هذا النائب في برلمان النظام سابقة «الزناد الداخلي» قائلاً: «إن
نموذج وأسلوب صياغة السياسات الداخلية والعقوبات الذاتية الداخلية لعبت دوراً أكبر بكثير في خلق الأزمات الحالية
من عقوبات الغرب وأمريكا!
لقد دفع الضغط الخارجي هذا المسؤول إلى أن يرفع الستار عن حجم النهب والفساد الحكومي، وأن يكشف عن عنوان
«ما هو أبعد من الزناد»: موارد العملات الأجنبية في بلادنا بدلاً من أن تُصرف على تنمية وتقدم البلاد، أصبحت
أرضية لتوسيع المضاربة وتقويض أسس الإنتاج والصناعة المحلية. لم تعلمنا الولايات المتحدة هذا العمل، بل اخترناه
نحن بأنفسنا. أنا لست قلقاً من ضغط الزناد من قبل الدول الأوروبية الثلاث بقدر قلقي من جشع أصحاب الثروة الذي لا
ينتهي. أنا مؤمن بعمق بأن قدرة التخريب في الداخل هي أكبر بكثير!
تفاقم التناقضات وكشف الفساد الداخلي
وفي مثال آخر، أشارت صحيفة هم ميهن الحكومية في عددها الصادر بتاريخ 28 سبتمبر إلى «ابتهاج» الجناح
المنافس ووسائله الإعلامية بتفعيل آلية الزناد، ووصفته بأنه دليل على أن جذور مشاكل إيران في الداخل" و«متوافق
مع إسرائيل»، وكتبت: «لقد اتضح الآن أن جذور مشاكل إيران هي في الداخل، وليست في الخارج أو مجلس الأمن أو
في التفاعل مع الدول الغربية. نحن نشهد الآن أن بعض الأطراف السياسية الرسمية متفقة مع إسرائيل في قضية إنهاء
الاتفاق النووي بتطبيق آلية الزناد.»
في المنازعات والجدالات التي لا تنتهي بين أجنحة الثروة والسلطة في نظام الملالي، تتجلى دائماً أسباب الأزمات
الكبرى في السياسة والاقتصاد والمعيشة؛ أسباب لا علاقة لها بالعقوبات إطلاقاً، بل تنبع تحديداً من نهب «أصحاب
الثروة» وتراكم الممتلكات الضخمة داخل النظام. لقد أدى تفعيل آلية الزناد وعودة العقوبات إلى دفع صحيفة هم ميهن
الحكومية إلى الكشف عن بعض هذه الأسباب، حيث كتبت: «يمكننا أن نرى هذه السياسة في مجالات أخرى، بما في
ذلك الاقتصاد، والتعليم، والصحة والعلاج، والمياه، والطاقة، والثقافة أيضاً.»
الخوف من الثورة الداخلية
الوجه الآخر للخوف والرعب الذي يخيم على السلطة من التداعيات الداخلية لتفعيل «آلية الزناد»، هو عواقبها السياسية
والاجتماعية على جبهة الشعب ضد السلطة الحاكمة؛ وهو العامل الذي يعتبره خامنئي العدو الرئيسي لنظامه، ولهذا
السبب يفضّل الحرب الخارجية على الثورة والانتفاضة الداخلية.
وقد تناول أحمد زيدآبادي، أحد محللي الجناح المسمى «الإصلاحي»، هذه المسألة صراحةً في برنامج على يوتيوب
بتاريخ 28 سبتمبر قائلاً: «لا أعرف وضعاً كهذا يحدث فجأة، حيث تترابط فيه كل الأزمات التاريخية مع الأزمات
الآنية، وينتج عنها ليس ثورة سلمية أو إصلاح تدريجي، بل صدام عنيف. إذا ظهر أي احتجاج — وهو أمر ممكن
الحدوث بالتأكيد حول أي قضية — فإن تلك المواجهة ستتجلّى بصورة سيئة للغاية»!
على الرغم من أن زيدآبادي يعتبر نفسه إصلاحياً، إلا أنه يخشى وقوع الانتفاضة حقاً، شأنه شأن الجناح «الأصولي»،
ولا يذكر اسمها حتى. لأنه يدرك جيداً الوضع المتفجر للمجتمع، ويدرك تماماً أن صبر الشعب قد نفد، وبتعبير أحد
مسؤولي النظام: «فاض كيل صبر الشعب وسلسلة تحمّل الناس على وشك أن تنقطع!!»