اخبار العالم

الإفلات من العقاب بعد انتفاضة 2022: دعوة للعدالة تتردد أصداؤها في نيويورك

"هيومن رايتس ووتش" تدين صمت النظام الإيراني حول جرائم القمع وتدعو المجتمع الدولي لتفعيل الولاية القضائية العالمية لدعم الشعب المنتفض.

في الوقت الذي يستعد فيه الآلاف من الإيرانيين الأحرار وأنصار المقاومة للتجمع في نيويورك يومي 23 و 24 سبتمبر، لرفع صوتهم عالياً ضد نظام ولاية الفقيه والمطالبة بإسقاطه، يتزامن هذا الحراك العالمي مع تقرير حديث لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” يسلط الضوء على استمرار الإفلات التام من العقاب في إيران بعد مرور ثلاث سنوات على قمع انتفاضة 2022. يؤكد التقرير أن السلطات الإيرانية لم تفشل في محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان فحسب، بل كثفت من قمعها للمواطنين، مما يفرض على الحكومات الأجنبية مسؤولية البحث عن سبل لتحقيق العدالة للضحايا ودعم الشعب المنتفض.

ويوضح التقرير أنه بعد ثلاث سنوات من الاحتجاجات الواسعة التي أشعلتها وفاة مهسا (جينا) أميني في حجز شرطة الأخلاق، لم يتم تقديم أي مسؤول حكومي أو عنصر أمني إلى العدالة بتهمة ارتكاب انتهاكات واسعة النطاق. هذه الانتهاكات شملت القتل غير القانوني، والاعتقال التعسفي، والتعذيب الممنهج، والمحاكمات الجائرة التي انتهكت أبسط حقوق الإنسان. إن هذا الإفلات المستمر من العقاب يمثل وصمة عار على جبين النظام القضائي الإيراني، الذي تحول إلى أداة للقمع بدلاً من أن يكون منبرًا للعدالة.

ثقافة الإفلات من العقاب الراسخة: نظام الملالي يواجه غضب الشعب

بحسب “هيومن رايتس ووتش”، قامت قوات الأمن الإيرانية، بما في ذلك الحرس الثوري الإيراني وقوات الباسيج، بقتل مئات المتظاهرين، من بينهم عشرات الأطفال، واعتقلت آلاف آخرين في حملة قمع وحشية. وبدلاً من إجراء تحقيقات نزيهة وتقديم الجناة للعدالة، عملت السلطات على ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب من خلال:

  • إنكار الأدلة: تجاهل الأدلة الدامغة على استخدام القوة المفرطة والمميتة، مثل إطلاق طلقات الخرطوش المعدني بشكل مباشر على المتظاهرين مما أدى إلى إصابات خطيرة وفقدان البصر لدى المئات. هذا الإنكار المتعمد يظهر مدى استخفاف النظام بحياة مواطنيه.

  • مضايقة الضحايا: استهداف عائلات الضحايا بالترهيب والاعتقال لمنعهم من المطالبة بالعدالة أو إحياء ذكرى أحبائهم. إن هذه الممارسات اللاإنسانية تهدف إلى تكميم الأفواه وإخماد أي شرارة للمطالبة بالحقوق.

  • قمع أوسع: تكثيف القمع عبر قوانين جديدة مثل تشديد قوانين الحجاب الإلزامي، وزيادة وتيرة الإعدامات بشكل مروع لخلق جو من الخوف في المجتمع، بهدف إخماد أي انتفاضة محتملة.

القضاء كأداة للقمع: فضح زيف العدالة

يشير التقرير إلى أن النظام القضائي الإيراني لم يكن سبيلًا لتحقيق العدالة، بل كان أداة رئيسية في حملة القمع. فقد استخدمت السلطات القضائية المحاكمات الصورية لإصدار أحكام قاسية، بما في ذلك عقوبة الإعدام، ضد المتظاهرين بناءً على اعترافات انتُزعت تحت وطأة التعذيب، بينما تم تجاهل الشكاوى التي قدمها الضحايا وعائلاتهم ضد قوات الأمن. هذا يؤكد أن القضاء في ظل نظام ولاية الفقيه هو جزء لا يتجزأ من منظومة القمع والاستبداد.

دعوة إلى تحرك دولي فوري: مسؤولية العالم تجاه الشعب الإيراني

تؤكد “هيومن رايتس ووتش” أن النظام القضائي المحلي في إيران غير قادر وغير راغب في تحقيق العدالة، وأن الحل الوحيد يكمن في تدخل المجتمع الدولي. وبناءً على ذلك، تدعو المنظمة الحكومات الأجنبية إلى اتخاذ خطوات ملموسة لكسر حلقة الإفلات من العقاب، وتشمل هذه الخطوات:

  • تفعيل الولاية القضائية العالمية: فتح تحقيقات جنائية ضد المسؤولين الإيرانيين المتورطين في انتهاكات خطيرة بموجب مبدأ “الولاية القضائية العالمية”، لضمان عدم هروب الجناة من العقاب.

  • فرض عقوبات مستهدفة: فرض عقوبات حقوقية على الأفراد والكيانات المسؤولة عن القمع لتقييد مواردها وقدرتها على ارتكاب المزيد من الانتهاكات، مما يضع ضغوطاً حقيقية على النظام.

  • دعم آليات الأمم المتحدة: تقديم الدعم الكامل للجنة تقصي الحقائق الدولية المستقلة التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لتوثيق الجرائم وجمع الأدلة، وهذا يمثل خطوة أساسية نحو المساءلة.

  • الضغط الدبلوماسي: إدانة القمع المستمر علنًا والمطالبة بالمساءلة في جميع المحافل الدولية، لإبقاء قضية حقوق الإنسان في إيران حية على الأجندة الدولية.

تخلص “هيومن رايتس ووتش” إلى أن السلطات الإيرانية لم تحرم الضحايا من العدالة فحسب، بل عاقبت أولئك الذين يسعون إليها بنشاط. ومع غياب أي أفق للمساءلة على المستوى المحلي، فإن على المجتمع الدولي أن يتدخل بشكل حاسم لضمان عدم نسيان جرائم عام 2022 ومحاسبة مرتكبيها. إن تظاهر الإيرانيين الأحرار في نيويورك هو صرخة للعدالة، تتطلب من العالم الاستماع إليها والتحرك لدعم مقاومة الشعب الإيراني من أجل الحرية والديمقراطية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى