صراعات الأجنحة الحاكمة في إيران تطفو على السطح حول الملف النووي
صراعات النظام الإيراني تشتعل حول الملف النووي وتظاهرات نيويورك تتحدى الديكتاتورية

انقسامات عميقة تهز النظام
تفاقمت الصراعات الداخلية داخل النظام الإيراني حول السياسة النووية وكيفية التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مكشفة عن تناقضات سياسية وأيديولوجية عميقة تهدد استقرار هرم السلطة. لم يعد الجدل يقتصر على الجوانب الفنية والقانونية للملف النووي، بل أصبح مرآة تعكس أزمة النظام الهيكلية وصراع الأجنحة الحاكمة على النفوذ والسلطة. رسالة 71 نائبًا إلى هيئة رئاسة البرلمان، مطالبتهم باستجواب وزير الخارجية عباس عراقجي، وطرح خيار الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، تكشف عن عمق هذه الأزمة التي تهز أسس النظام .
رسالة النواب: تحدٍ لقرارات خامنئي
كشفت رسالة 71 نائبًا في برلمان النظام عن جولة جديدة من التوترات حول الأزمة النووية. أكد النائب حامد يزديان في تصريح لوكالة أنباء حرس النظام أن الهدف من الرسالة هو «الرقابة على الاتفاقيات التي أبرمها عراقجي في القاهرة»، مشيرًا إلى مخاوف النواب بشأن «أمن العلماء والمراكز النووية» و«حقوق إيران النووية». هذا التحرك يمثل تحديًا مباشرًا لقرار خامنئي بتعطيل البرلمان لمدة 18 يومًا، في محاولة فاشلة لاحتواء الأزمة بعيدًا عن الرقابة. إحدى وسائل الإعلام الحكومية وصفت هذا التعطيل بأنه «فشل استراتيجي» في فترة حساسة، مما زاد من حدة الانقسامات بدلاً من تهدئتها .
احتجاجات منظمة: أداة للضغط الداخلي
إلى جانب الصراعات البرلمانية، نظم الباسيج وما يسمى بـ«الطلاب» تجمعات احتجاجية أمام المجلس الأعلى للأمن القومي، رافعين شعارات مثل «لا لتسليم وثائقنا النووية للأعداء عبر الوكالة». هذه الاحتجاجات، التي تُنظمها مؤسسات النظام، تُستخدم كأداة في يد الأجنحة المتصارعة للضغط على بعضها، مما يكشف عن الفوضى السياسية التي تعصف بالنظام. هذه الاستعراضات ليست سوى مظهر آخر للأزمة الداخلية التي تهدد استقرار ولاية الفقيه .
تهديدات بالمساءلة والخروج من المعاهدة
تصاعدت حدة الانتقادات بعد اعتراف عراقجي في مقابلة تلفزيونية بتوصله إلى اتفاق مع الوكالة الدولية. رد النائب كامران غضنفري بلهجة تهديد، قائلاً: «إما أن تنفوا تصريحات غروسي وتقدموا نص الاتفاقية، أو استعدوا للمساءلة». وذهب النائب قادري إلى أبعد، مهددًا بأن «الخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي سيكون أحد ردود إيران إذا فُعلت آلية الزناد». كما اتهم النائب حسيني كيا وزارة الخارجية بـ«التحايل على قانون البرلمان»، مطالبًا باعتقال غروسي إذا زار طهران. هذه التصريحات تكشف عن استخدام الملف النووي كسلاح في الصراعات الفئوية، دون تقديم استراتيجية خارجية متماسكة .
صوت الشعب: تظاهرات نيويورك تتحدى النظام
في ظل هذه الانقسامات، يواصل الشعب الإيراني تحديه للنظام عبر حراكه الشعبي داخل إيران وخارجها. في 6 سبتمبر 2025، شهدت بروكسل تظاهرة حاشدة ضمت عشرات الآلاف من الإيرانيين، أعلنوا فيها دعمهم لـ«الخيار الثالث» الذي تقوده مريم رجوي، رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، والذي يدعو إلى تغيير النظام بقيادة الشعب ومقاومته المنظمة. هذا الزخم يمتد إلى نيويورك، حيث يتجمع آلاف الإيرانيين من أكثر من 40 ولاية أمريكية، بدعم من شخصيات أمريكية بارزة، في ساحة داغ همرشولد أمام الأمم المتحدة يومي 23 و24 سبتمبر 2025. التظاهرة، التي تنظمها منظمة الجاليات الإيرانية–الأمريكية والمجلس الوطني للمقاومة، تهدف إلى إدانة حضور رئيس النظام مسعود بزشكيان، صاحب أعلى معدل إعدامات عالميًا وراعي الإرهاب الحكومي، ورفع شعارات واضحة: «لا للاسترضاء، لا للمشروع النووي، لا للحروب الخارجية، ونعم لتغيير النظام» .
أزمة بلا حل: المقاومة في مواجهة الديكتاتورية
يكشف الصراع حول الملف النووي عن أزمة هيكلية داخل النظام، حيث يعكس الانقسام بين النواب والأجنحة الحاكمة تنافسًا محمومًا على السلطة. صحيفة «كيهان»، المحسوبة على حسين شريعتمداري، هاجمت الجناح المنافس بسخرية، داعية إلى «تغيير نموذج» التيار الموالي للغرب. في المقابل، أكد محسن ثاني من لجنة الأمن القومي أن «دخول مفتشي الوكالة غير مسموح دون تعويضات الحرب»، بينما دعا عزيزي، رئيس اللجنة، إلى قرار جماعي للنظام. هذا «صراع العقارب» يعكس تشتتًا استراتيجيًا يفاقم ضعف النظام.
في هذا السياق، تمثل تظاهرة نيويورك فرصة تاريخية لإيصال صوت الشعب الإيراني المطالب بالحرية والديمقراطية. هذه التظاهرة ليست مجرد احتجاج، بل رسالة إلى العالم بأن الشعب الإيراني، بدعم المقاومة المنظمة، مصمم على إسقاط الديكتاتورية وإقامة جمهورية علمانية. المقاومة تدعو الأحرار والقوى الديمقراطية للمشاركة في هذا الحدث، مؤكدة أن إرادة الشعب ستنتصر.