اخبار العالم

اتفاق الوكالة الذرية: انقسامات داخل النظام الإيراني وتصاعد للمواجهة الشعبية

جدل حاد حول التعاون النووي في ظل غياب البرلمان

مهدي عقبائي

مهدي عقبائي

لم تمضِ سوى ساعات قليلة على خبر التفاهم بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي تم مساء الثلاثاء في القاهرة، حتى ارتفعت أصوات بعض نواب البرلمان الإيراني المعارضين للاتفاق في الفضاء الافتراضي، وذلك بينما كان البرلمان في إجازة صيفية قصيرة. لقد أقدمت إيران على هذه الخطوة لمنع تفعيل “السناب باك” وعودة آلية الزناد. كانت الدول الأوروبية الثلاث – بريطانيا وفرنسا وألمانيا – قد أمهلت إيران شهرًا واحدًا للتوصل إلى اتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية واستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة، لتفادي تنفيذ آلية الزناد التي تهدد بعقوبات أشد.

عودة المفتشين وغموض حول المواقع المستهدفة
اتفق وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي على عودة مفتشي الوكالة الذين غادروا إيران بعد الهجمات الإسرائيلية، وعادوا إليها قبل أسابيع قليلة، لاستئناف أنشطتهم. ومع ذلك، لم يتضح بعد ما إذا كانوا سيزورون المواقع التي تعرضت للهجوم في فوردو وأصفهان ونطنز أم لا. هذا الغموض أثار ردود فعل واسعة ومتنوعة في إيران، حيث يرى البعض أن الاتفاق مخالف لقرار البرلمان بتعليق التعاون مع الوكالة، مما يعكس عمق الانقسامات داخل أروقة السلطة.

اتهامات بالتجسس ومطالب بتسليم اليورانيوم المخصب
علّق متحدث باسم الحكومة الإيرانية بأن الدمار الواسع يجعل زيارة المنشآت عمليًا غير ممكنة. ويقول نواب ووسائل إعلام معارضة للمفاوضات مع الوكالة إن الحرب الأخيرة أظهرت أن غروسي يتجسس لمصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل، وإن إصراره على زيارة المواقع النووية يهدف إلى تقديم معلومات للولايات المتحدة وإسرائيل لشن هجوم آخر، بهدف تدمير المنشآت النووية الإيرانية بالكامل. يؤكد هؤلاء أن إصرار الوكالة والأوروبيين على تسليم حوالي 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% هو نفسه الطلب الرئيسي للولايات المتحدة الذي فشلت في تحقيقه خلال خمس جولات من المفاوضات النووية، والآن يريدون فرضه على إيران في ظروف أضعف نسبيًا مقارنة بما قبل الحرب.

قرارات البرلمان الإيراني: بين التعليق والتنسيق
كان مجلس الشورى الإيراني قد أقر في يونيو الماضي، بعد أيام قليلة من توقف الحرب مع إسرائيل، قانون تعليق التعاون مع الوكالة الذرية. وقبل أيام من التفاهم بين إيران والوكالة، أعلن أن عددًا من النواب يسعون لإقرار قانون يوقف التعاون مع الوكالة النووية بالكامل، كرد فعل على احتمال تنفيذ آلية الزناد. يعارض العديد من الخبراء في إيران هذا الإجراء البرلماني، معتبرين إياه كـ “الانتحار خوفًا من الموت”، وقالوا إن إقرار مثل هذا القانون يعني إعطاء الضوء الأخضر للولايات المتحدة وإسرائيل لشن هجوم آخر على إيران. لكن يبدو أن إجراء البرلمان الإيراني تم بالتنسيق مع مجلس الأمن القومي الأعلى في إيران، لتدرك الوكالة وأوروبا والولايات المتحدة أن يد إيران غير مقيدة للرد، لذا من الأفضل لهم اختيار طريق المفاوضات والتفاهم معها ووقف التهديدات.

أصوات معارضة ومؤيدة: صراع النفوذ يتكشف
لم يمضِ سوى ساعات قليلة على هذا الخبر، وبينما البرلمان في إجازة صيفية لأيام قليلة، ارتفعت أصوات بعض النواب المعارضين للاتفاق مع الوكالة في الفضاء الافتراضي. كتب حميد رسائي، أحد النواب المتشددين في البرلمان، أنه غير مطلع على محتوى الاتفاق مع الوكالة، ووصف غروسي بالجاسوس، واشتكى من صمت وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأعلى في إيران بشأن محتواه. كما لمح نظام الدين موسوي، وهو نائب متشدد آخر في البرلمان، إلى أن هذا التفاهم يتعارض مع قانون البرلمان.
هاجم معارضو الاتفاق مع الوكالة أيضًا أمين مجلس الأمن القومي الأعلى علي لاريجاني، قائلين: “ألم تقل إننا سنحاسب غروسي بعد انتهاء الحرب؟”. أما مؤيدو الاتفاق مع الوكالة، فيعتبرون التفاهم في القاهرة أول إنجاز لعلي لاريجاني في منصبه كأمين لمجلس الأمن القومي الأعلى. بالطبع، ليس مؤيدو الاتفاق مع الوكالة قلة. كتب حشمت الله فلاحت بيشه، رئيس لجنة السياسة الخارجية السابق في البرلمان، أن هذا الاتفاق يظهر أن أحدًا لم يعد مستعدًا للتشبث ببالون المتطرفين.
ويقول مؤيدو الاتفاق إن إيران بهذا الإجراء أظهرت التزامها بالقانون الدولي وتعهداتها النووية، واستعدادها للتفاعل، وجهودها لمنع بناء إجماع أكبر ضد إيران عبر الدبلوماسية. يضيف هؤلاء أنه بعيدًا عن مواقف المتشددين الإيرانيين في البرلمان وبعض وسائل الإعلام، فإن النواة الرئيسية لاتخاذ القرار في الجمهورية الإسلامية قد اختارت طريق التفاعل بدلاً من المواجهة، لتتمكن من منع حرب جديدة وتشديد العقوبات، وإبقاء أمل المجتمع الإيراني في المستقبل حيًا.

شعب إيران يرفض المساومة: من بروكسل إلى نيويورك
إن الانقسامات داخل النظام الإيراني حول الاتفاق النووي، وما يرافقها من سياسات قمعية، تؤكد مجدداً أن هذا النظام لا يمثل إرادة الشعب الإيراني. لقد كان صدى مظاهرات بروكسل في 6 سبتمبر، حيث احتشد الآلاف من الإيرانيين الشرفاء، رسالة واضحة بأن الشعب يرفض الاستبداد والمساومة على حقوقه. وفي 23 سبتمبر المقبل، ستتجه الأنظار إلى نيويورك، عاصمة الولايات المتحدة، حيث سيُوجه الشعب الإيراني صفعة أخرى قوية على وجه نظام إيران. سيعلن الإيرانيون في مظاهرة حاشدة أن بزشكيان لا يمثل الشعب الإيراني، خصوصًا بعد أن وقف نظامه في جلسة التصويت على خطة الدولتين إلى جانب إسرائيل وصوت ضدها، مظهرًا عداءه الواضح للشعب الفلسطيني. لذا، يجب الوقوف جنبًا إلى جنب مع الشعب الإيراني ضد هذا الرژیم الإجرامي، والعمل على إزالته من المشهد السياسي بشكل نهائي، ليحل محله بديل ديمقراطي حقيقي يعبر عن تطلعات الشعب للحرية والعدالة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى