اخبار العالم

من قلب طهران إلى صدى بروكسل: شعب ينتفض ضد نظام الملالي

المقاومة الإيرانية تُرسم خارطة طريق للتحرر

على مدى ما يقرب من نصف قرن، ظل النظام الإيراني نموذجاً فريداً في إثارة الحروب، وصناعة الأزمات، وتنفيذ سياسات القمع الممنهج والإعدامات البشعة بحق شعبه. لقد تحول هذا الكيان السياسي، الذي تأسس على أيديولوجية ولاية الفقيه، إلى مصدر دائم لعدم الاستقرار في المنطقة والعالم، مستغلاً كل فرصة وكل أزمة إقليمية أو دولية لتعزيز أجندته التخريبية. ورغم المعاناة التي لحقت بشعوب المنطقة جراء تدخلات هذا النظام، فإن قصة الألم والظلم التي عاشها الشعب الإيراني تحت حكمه لا تضاهيها أي مأساة أخرى. في مواجهة هذه التحديات الجسيمة، تبرز التظاهرات الحاشدة في بروكسل بتاريخ السادس من سبتمبر كدليل قاطع على تصميم الشعب الإيراني والمقاومة المنظمة على إسماع صوتهم المطالب بالتغيير الجذري، مدشنين جبهة قوية لصد تدخلات النظام.

منذ لحظة استلامه السلطة بعد ثورة عام 1979، لم يدخر نظام ولاية الفقيه جهداً في قمع أي معارضة أو رفض شعبي. فبعد سنوات من الاستبداد تحت حكم الشاه، كان الشعب الإيراني يتطلع إلى فجر الحرية والديمقراطية، لكنه وجد نفسه تحت نير نظام أكثر قسوة واستبداداً. اليوم، تعيش الغالبية العظمى من الإيرانيين (حوالي 80%) تحت خط الفقر، نتيجة للسياسات الفاشلة والممارسات القمعية التي انتهجها النظام. هذا الواقع المرير أدى إلى اندلاع أربع انتفاضات شعبية متتالية، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الشعب قد بلغ أقصى درجات اليأس من هذا النظام ويتوق للخلاص منه. إن هذه الانتفاضات الداخلية المستمرة تمنح تظاهرات بروكسل بعداً دولياً مهماً، فهي تجسد إرادة شعبية عارمة تتجاوز حدود الجغرافيا وتطالب بحقها في تقرير المصير.

إن النهج العدواني الذي تبناه النظام الإيراني، المستند إلى عقيدة ولاية الفقيه المتطرفة، قد تسبب بأضرار بالغة لبلدان المنطقة ومصالحها الدولية، بل وتجاوز تأثيره حدود الشرق الأوسط ليطال الأمن العالمي. يتجلى ذلك بوضوح في تحركات النظام الأخيرة، كزيارة علي لاريجاني، الأمين الأسبق للمجلس الأعلى للأمن القومي والشخصية الأمنية البارزة، إلى بيروت وبغداد في أغسطس 2025. هذه الزيارة، التي تستغل صورة لاريجاني كشخصية “معتدلة نسبياً”، لم تكن سوى محاولة لتعزيز قبضة النظام على لبنان عبر حزب الله، وعلى العراق من خلال الحشد الشعبي. جاءت هذه التحركات في وقت تتزايد فيه الدعوات اللبنانية لنزع سلاح حزب الله ورفض التدخلات الإيرانية، وهو ما أكده الرئيس اللبناني جوزف عون والحكومة اللبنانية. إن هذا التدخل السافر يتطلب موقفاً دولياً موحداً، وهو ما سعت تظاهرات بروكسل إلى تحفيزه وإبرازه للعالم.

هناك جبهات متعددة تتصدى للنظام الإيراني وتسعى لوقف شروره وعدوانه. تشمل هذه الجبهات، الجبهة الدولية التي تقف ضد طموحاته النووية، والجبهة الإقليمية والدولية التي تواجهه في تصديره للإرهاب وإثارته للحروب، وجبهة حقوق الإنسان التي ترفض انتهاكاته المستمرة. وبينما قد تشهد هذه الجبهات هدوءاً مؤقتاً أو تغييرات تكتيكية نتيجة لمناورات النظام، فإن الجبهة الوحيدة التي لا تعرف الهدوء وتبقى مشتعلة في وجهه هي جبهة الشعب الإيراني. هذه الجبهة لن تستكين إلا بعد أن يسقط النظام ويذوق مرارة السقوط كما حدث لنظام الشاه عام 1979. لقد جاءت تظاهرات بروكسل في السادس من سبتمبر لتعزز هذه الجبهة الداخلية والخارجية، مؤكدة أن المقاومة المنظمة تمثل البديل الديمقراطي والحل الحقيقي للأزمة الإيرانية المعقدة.

لقد برهنت تظاهرات بروكسل، التي شهدت مشاركة عشرات الآلاف من الإيرانيين من مختلف الدول الأوروبية، أنها ليست مجرد حشد احتجاجي، بل هي استعراض مهيب لقوة البديل الديمقراطي الذي تقوده المقاومة الإيرانية. هذه التظاهرات، التي حظيت بتغطية إعلامية دولية واسعة، أكدت أن “الحل الثالث” – أي نضال الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة – هو السبيل الأوحد للإطاحة بالنظام وتحقيق التغيير المنشود. وقد أكد متحدثون دوليون بارزون، على رأسهم نائب الرئيس الأمريكي الأسبق مايك بنس، دعمهم الصريح لنضال الشعب الإيراني من أجل الحرية والديمقراطية، مشددين على أن المقاومة المنظمة بقيادة السيدة مريم رجوي هي البديل الشرعي والوحيد للنظام القائم. هذا التجمع الضخم، الذي يمثل الواجهة العلنية لانتفاضة داخلية متواصلة، يبعث برسالة واضحة المعالم من طهران إلى بيروت، ومن كل بقعة تعاني من تدخلات النظام: لقد ولى زمن الصمت، وحان وقت التغيير، والمقاومة هي الجبهة الأقوى والأكثر استدامة ضد “مشروع تدمير الأوطان”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى